مقالات

سيرة القائم
ولادته ومناقبه
بحوث حول الحجة(عج)
سفرائه ورسائله(عج)
علامات ظهوره(عج)
أدعية الحجة(عج)
دولة القائم المنتظر(عج)

المكتبة

سلسلة بين يدي القائم
سلسلة الدروس الثقافية

وظيفة الأنام في زمن الغيبة

الإمام المهدي(عج)
إنتظار المهدي(عج)
عقيدة الخلاص

المكتبة المرئية

أدعية
زيارات
محاضرات
خواطر

المكتبة الصوتية

أدعية وزيارات
محاضرات
أناشيد

المكتبة الفنية

تصاميم
مخطوطات

اللهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل، ورب الظل والحرور، ومنزل الزبور والقرآن العظيم، ورب الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء، وخالق من في الأرض، لا خالق فيهما غيرك، اللهم أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير وملكك القديم، يا حي يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حيا قبل كل حي، ويا حيا بعد كل حي، ويا حيا حين لا حي، ويا محيي الموتى، ويا حيا لا إله إلا أنت، يا حي، يا قيوم، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وارزقني من حيث أحتسب، ومن حيث لا أحتسب رزقا، واسعا، حلالا، طيبا، وأن تفرج عني كل غم، وكل هم وأن تعطيني ما أرجوه، وآمله، إنك على كل شئ قدير

اليماني والحسني
فقد ورد في جملة من الروايات منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام أنّه قال في حديث يذكر عليه السلام فيه علامات الظهور الحتميّة، كالصيحة لجبرئيل في شهر رمضان، ثمّ صوت إبليس اللعين، وخروج السفياني والخراساني كفرسي رهان يستبقان إلى الكوفة، ثمّ قال: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على النّاس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنّ رايته راية هدى، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النّار، لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى صراط مستقيم) _الحديث. ورواه الراوندي في الخرائج.

وفي الرواية جملة نقاط:
الأولى:
أنّها تحدّد علامة اليماني بعلامة الظهور الحتميّة، وهي الصيحة السماوية، وقد ذكر في أوصاف تلك الصيحة، والتي هي نداء جبرئيل من السماء أنّه يسمعه أهل الأرض، كلّ أهل لغة بلغتهم، واستيلاء السفياني على الشام، وهكذا التحديد للخراساني الذي قد يعبّر عنه في روايات اُخرى بالحسني. وهذا التحديد يقطع الطريق على أدعياء هذين الاسمين قبل الصيحة والنداء من السماء، وقبل استيلاء السفياني على الشام. وبعبارة اُخرى: التحديد لهما هو بسنة الظهور وعلاماتها من الصيحة والخسف بالبيداء وخروج السفياني.

الثانية: أنّ مقتضى تعليل الرواية لراية اليماني بأنّها راية هدى، لأنّه يدعو إلى صاحبكم، هو إبداء التحفّظ على راية الحسني، وعدم خلوص دعوته إلى المهدي عجل الله فرجه، ويظهر من روايات اُخرى أنّ ذلك لتضمّن جيشه جماعة تقول إنّ الإمام والإمامة هي لمن يتصدّى علناً بقيادة اُمور المسلمين وإصلاحها لا أنّها بالنصّ الإلهي، وقد اصطلحت الروايات عليهم بالزيديّة، والمراد باللفظة المعنى النعتي والإشارة إلى ذلك المقال والمعتقد لا المسمّين بالزيديّة كاسم علم. وبعبارة اُخرى: أنّ الحسني والخراساني يتبنّى الإمامة بالتصدّي للاُمور والإصلاح العلني، بينما يتبنّى اليماني أنّ الإمامة بالنصّ الإلهي على الاثني عشر آخرهم المهدي عجل الله فرجه.

الثالثة:
أنّ الرواية تعلّل حرمة الالتواء على اليماني بأنّه يدعو إلى الحق والصراط المستقيم وإلى المهدي عجل الله فرجه، فالمدار في مناصرته على توفّر الميزان والحدود الشرعيّة.وبعبارة أدقّ: الرواية تدلّ على حرمة العمل المضادّ لحركته لإفشالها، ففرق بين التعبير بالإلتواء عليه والالتواء عنه، فكلمة (عليه) تفيد السعي المضاد لحركته لا صرف المتاركة لحركته بخلاف كلمة (عنه)، فإنّها تفيد الانصراف والابتعاد عن حركته. نعم الأمر بالنهوض إليه يفيد المناصرة، والظاهر أنّ مورده لمن كان في معرض اللقاء به والمصادفة لمسيره، إذ سيأتي استعراض طوائف من الروايات تحثّ على النهوض والتوجّه إلى مكّة المكرّمة للانخراط في الإعداد لبيعة الحجّة في المسجد الحرام.

وبعبارة اُخرى: أنّ الرواية كما تحدّد استعلام علامته بأنّه يدعو إلى المهدي عجل الله فرجه بنحو واضح وشفّاف، أي أنّ برنامجه الذي يدعو إليه متمحّض في إعلاء ذكر الإمام المنتظر والنداء باسمه والدعوة إلى ولاية المهدي عليه السلام، والالتزام بمنهاج أهل البيت عليهم السلام، كما أنّ هناك علامة اُخرى تشير إليها الرواية، وهي كون خروجه من بلاد اليمن، وهو وجه تسميته باليماني، كما أنّ استعمال الروايات لليمن بنحو يشمل كلّ تهامة من بلاد الحجاز، أي بنحو شامل لمكّة دون المدينة المنوّرة، لكن في بعض الروايات الإشارة إلى خروجه من صنعاء، كما سيأتي. ويتحصّل أنّ الرواية لا يستفاد منها أنّ اليماني من النوّاب الخاصّين والسفراء للإمام المنتظر عجل الله فرجه، ولا تشير إلى ذلك من قريب ولا بعيد، ولا دلالة لها على وجود ارتباط واتّصال له مع الحجّة عليه السلام، وإنّما تجعل المدار على كون البرنامج الذي يدعو اليه هو على الميزان الحقّ لأهل البيت عليهم السلام، وأنّه لا ينادي إلى تشكيل دولة هو يترأّسها، بل يواكب خروجه زمان الصيحة والنداء من السماء الذي يدعو إلى نصرة المهدي عجل الله فرجه، فيكون خروج اليماني على ضوء برنامج الصيحة السماويّة ونداء جبرئيل.

كما أنّ ظاهر الرواية دالّ على كون خروج الخراساني من خراسان، وهو وجه تسميته تارة بالخراساني، واُخرى بالحسني، كما في هذه الرواية قبيل القطعة التي نقلناها: (حتّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق وهذا من الغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان: هذا من هنا وهذا من هنا حتّى يكون هلاك بني فلان على أيديهما). وروى الشيخ في الغيبة بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (تنـزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي بعث إليه بالبيعة).

وقد روى الصدوق في إكمال الدين بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث عن القائم عجل الله فرجه، وأنّه منصور بالرعب، وعلامات ظهوره القريبة: (وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام... )، وهي صريحة في خروج اليماني من اليمن. وكذلك روى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني فقال: (أنّى يخرج ذلك ولم يخرج كاسر عينه بصنعاء).

وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لمّا خرج طالب الحقّ قيل لأبي عبد الله عليه السلام: ترجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: (لا، اليماني يتوالي عليّاً، وهذا يبرأ منه)، ومفاد الرواية هو ما سبق من التزام اليماني ولاية أهل البيت عليهم السلام، ومنهاجهم. كما قد يظهر منها أنّ في زمنهم عليهم السلام حصلت حركات قام بها أدعياء بأسماء مسرح الظهور، كتقمّص اسم اليماني، كما حفل التاريخ الإسلامي بالمنتحلين للمهدويّة.

ومنها: ما أخرجه في بحار الأنوار عن بعض مؤلّفات الإماميّة بسنده عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث الظهور (ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم! يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد، أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله بالطالقان، كنوز وأي كنوز، ليست من فضّة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حَتّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلاً، فيتّصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام، ويقولون: يا بن رسول الله، مَن هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: اخرجوا بنا إليه حتّى ننظر مَن هو؟ وما يريد؟ وهو والله يعلم أنّه المهدي، وأنّه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلاّ ليعرّف أصحابه من هو، فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله، وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين؟ فيخرج له ذلك، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلاّ أن يرى أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتّى يبايعوه. فيقول الحسني: الله أكبر، مدّ يدك يا بن رسول الله حتّى نبايعك فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلاّ أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفون بالزيديّة، فإنّهم يقولون: ما هذا إلاّ سحر عظيم. فيختلط العسكر فيقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً، ثمّ يقول لأصحابه: (لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولم يعملوا بما فيها).

ويظهر من هذه الرواية جملة من النقاط تعزّز ما تقدّم:
الاُولى: أنّ ظاهر دعوة الحسني ليس متمحّضة في الدعوة إلى المهدي عجل الله فرجه، بل شعاره عامّ في رفع الظلم، ومن ثمّ يشاهد جملة من قاعدته وأتباعه من الزيديّة، والمراد منهم كما مرّ المعنى النعتي الوصفي لا العلمي، أي من يرى أنّ الإمامة هي بالتصدّي العلني لتدبير الاُمور السياسيّة الاجتماعيّة وتغييرها.

الثانية: أنّه مع كون الشعار والمنهاج المعلن للحسني ليس بتلك الدرجة من الاستقامة، إلاّ أنّ ذلك بسبب الأجواء والوسط الذي يقوم فيه، ومع ذلك فلا تغيب البصيرة بتمامها عن الحسني في الانقياد والاتّباع للإمام عجل الله فرجه. وإلى ذلك تشير رواية النعماني في الغيبة، بإسناده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يقوموا، ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما أنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر).

فإرشاده إلى التحفّظ على النفس حتّى يظهر الحجّة عجل الله فرجه، وادّخار النفس لنصرته مؤشّر عامّ على اتّخاذ الحيطة في التيارات والرايات التي تظهر قبيل المهدي عجل الله فرجه في سنة ظهوره، وعدم خلوص تلك الجماعات عن شوب الاختلاط في الأوراق والبصيرة، كما أنّه دالّ على أرجحيّة ادّخار النفس والنصرة إلى خروج المهدي عجل الله فرجه من مكّة على الالتحاق براية اليماني، فضلاً عن غيرها من الرايات.

وفي رواية اُخرى للنعماني في الغيبة بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث في الظهور، ومجيء جيش السفياني إلى الكوفة وقتله لأهل الكوفة وتنكيله بهم، قال: (فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبل خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاًَ، ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثمّ يخرج...). ويظهر منها وجود بعض ذوي البصائر في جيش الخراساني في حين وجود جماعات اُخرى غير متوفّرة على بصيرة مستقيمة.

والحاصل: أنّ أهمّ ما ورد في اليماني لا يرقى إلى إثبات نيابته الخاصّة عن الحجّة، وكونه سفيراً لناحيته المقدّسة، بل غاية الأمر كون دعوته هي إلى الحقّ، وهو منهاج أهل البيت عليهم السلام وولايتهم وولاية المهدي عجل الله فرجه، ولا يدعو إلى برنامج إصلاحي يترأّس هو فيه، ويعيّن فيه نفسه للقيادة. هذا مع كون علامات خروجه هو في سنة ظهور الحجّة عليه السلام، أي مواكباً للصيحة السماوية، واستيلاء السفياني على الشام، والخسف لجيش السفياني بالبيداء حوالي المدينة المنوّرة في الطريق باتّجاه مكّة المكرّمة. وأنّ خروجه من اليمن باتّجاه الكوفة، وأنّ من كان في معرض لقياه ومسيره فلا يسعى لمعارضته وإضعافه بعد التحقّق من العلامات الآنفة، والتأكّد من توفّر العلامات فيه، ووضوح برنامج دعوته إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام، والبراءة من أعدائهم، والولاية لإمامة المهدي عجل الله فرجه، وأمّا مناصرته والالتحاق به فهو وإن كان بلحاظ انطباق ميزان وضابطة الحقّ والصواب في دعوته من منهاج أهل البيت عليهم السلام وولايتهم وولاية الإمام المنتظر، إلاّ أنّه يظهر من روايات اُخرى واحدة منها سبق الإشارة إليها، وسيأتي الباقي أنّ الدعوة العامّة الشاملة اللازمة على جميع شيعة أهل البيت عليهم السلام هو النفر إلى مكّة المكرمة للانخراط في بيعة المهدي عجل الله فرجه وفي جيشه.

هذا كلّه في اليماني فضلاً عمّا ورد في الحسني الخراساني الذي يخرج من خراسان، فإنّه قد مرّ ورود التعريض برايته من حيث شعارها وبرنامجها ووسط القاعدة الشعبيّة الذي يتشكّل منه جيشه، وإن انضمّ ذلك إلى مديح لبعض الفئات المشاركة في نهضته ولشخصه عندما يسلّم الأمر إلى المهدي عجل الله فرجه، وباعتبار مقاومته للظالمين، ولكن ليس فيها إعطاء أيّة صفة رسميّة للحسني لا كنائب خاصّ، ولا كسفير للناحية المقدّسة. هذا مع تحديد الروايات لخروجه بنفس سنة الظهور وعلاماتها الحتميّة من الصيحة السماويّة، واستيلاء السفياني على بلاد الشام، وخسف فرقة من جيشه ببيداء المدينة المنوّرة.

الثالث والرابع والخامس: ذو النفس الزكيّة، وشعيب بن صالح وغيرهما ورد التعبير به عن شخصيّتين: إحداهما وهي الأقلّ وروداً في الروايات على شخصيّة يقتل بظهر الكوفة، وثانيها: الذي يُقتل بين الركن والمقام، بل في بعض روايات الأدعية الواردة عنهم إطلاق النفس الزكيّة على المهدي عجل الله فرجه. وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في علامات الظهور ممّا قد جاءت به الآثار: (وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام).

فذكر كلّ منهما، ولكنّ الثاني أكثر وروداً في الروايات، وفي جملة منها أنّ قتله بين الركن والمقام من العلامات الحتميّة، وانّ اسمه محمّد بن الحسن، وأنّه من ذرّيّة الحسين عليه السلام، وأنّه من خواص أصحاب المهدي عجل الله فرجه، لكنّ خروجه في مكّة مرتبط بفاصل أيّام وبينه وبين ظهور الحجّة عجل الله فرجه للبيعة عند الركن خمسة عشرة ليلة، ففي صحيح عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني)، فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: (لا)، فلمّا كان من الغد تلوت هذه الآية: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ، فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: (أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عزّ وجلّ)، فيظهر من الصيحة أنّ قتل النفس الزكية، والمراد به الذي يقتل في الكعبة بين الركن والمقام، من العلامات الحتميّة للظهور، كما أنّ في الصيحة تحذيراً أكيداً، وتنبيهاً بالغاً على عدم الانخداع وراء أدعياء أسماء الظهور قبل تحقّق العلامات الحتميّة من الصيحة والسفياني والخسف لجيشه في صحراء المدينة المنوّرة، وإنّ من أهمّ علامات الظهور الصيحة والنداء من السماء.

وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم عليه السلام ؟ فقال: (يا أبا محمّد، إنّا أهل البيت لا نوقّت، وقد قال محمّد عليه السلام: كذب الوقّاتون يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات، أوّلهنّ: النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء) الحديث.

وروى الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (القائم منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوى له الأرض...)، فقلت له: يا بن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا... وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة، وجاءت الصيحة من السماء بان الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا) الحديث.
وروى الصدوق أيضاً في إكمال الدين، بإسناده عن صالح مولى بني العذارء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (ليس بين قيام آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمس عشرة ليلة). ورواه الشيخ في الغيبة، والمفيد في الإرشاد.

وفي رواية الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن عمّار بن ياسر أنّه قال: (إنّ دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتّى تجيئ أماراتها،... ثمّ يسير أي السفياني بعد استيلاءه على الشام إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمّد صلى الله عليه وآله، ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح، فإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان التحقوا بمكّة، فعند ذلك يقتل النفس الزكيّة وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منادي من السماء: أيّها النّاس، إنّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). ويظهر من هذه الرواية أنّ النفس الزكيّة يقتل مع أخيه، وأنّ شعيب بن صالح من رؤساء وقوّاد جيش المهدي، وعلامته ظهوره في جيشه معه.

وفي رواية العيّاشي عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الظهور: (...ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبيّ الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من السماء، حتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبيّ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه، والنفس الزكيّة من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشذاذ من آل محمّد عليهم السلام، فإنّ لآل محمّد وعليّ راية، ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً، حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبيّ الله صار عند عليّ بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن عليّ، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً. وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً على المدينة...) الحديث.

ومفاد الرواية أنّ قتل النفس الزكيّة في المسجد الحرام من العلامات البارزة الجليّة الظهور، كما تؤكّد الرواية كما مرّ في غيرها على الحذر الشديد، واليقظة البالغة من الانجرار والانجراف وراء أدعياء رايات الظهور، وشعارات الإصلاح، وقد جعل العلامات الفاصلة بين الملتبس المشتبه وبين الظهور الحقيقي هو الصيحة السماويّة.

وروى السيّد عليّ بن عبد الحميد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: (يقول القائم عليه السلام لأصحابه: يا قوم، إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّيّة محمّد، وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتزّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيّة، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكّة لا يريدوننا فلا يدعونه حتّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً...).

ويظهر من هذه الرواية أنّ ذا النفس الزكيّة (محمّد بن الحسن) الحسيني له نيابة خاصّة من الحجّة عجل الله فرجه لإبلاغ رسالته إلى أهل مكّة، ولكنّ ذلك بعد الصيحة السماويّة، أي في الظهور الأوّل الأصغر الذي يبتدأ بعد الصيحة السماويّة في رجب، أو في شهر رمضان بحسب تعدّد لسان الروايات. وأمّا الظهور الأكبر فهو يبتدأ عندما يسند ظهره الشريف إلى الركن من الكعبة لأخذ البيعة في ابتداء دولته العالميّة.

وروى الطوسي في الغيبة عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعليّ بن الحسين: صف لي خروج المهدي، وعرّفني دلائله وعلاماته؟ فقال: (يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس).

ويظهر من هذه الرواية أنّ بدء طلوع اسم شعيب بن صالح هو من مدينة سمرقند. وأمّا عوف السلمي فيحتمل من الرواية أنّه من غير الموالين لأهل البيت عليهم السلام، حيث يكون مأواه تكريت وساحة حركته في المدن غير الموالية.

وروى النعماني في الغيبة معتبرة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: (قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا).

ويشير عليه السلام إلى مَن خرج في زمانه وادّعى أنّه القائم. وهذه الرواية تعضد مفاد الرواية السابقة من أنّ شأن شعيب بن صالح الخروج بحركة قبل حركة المهدي عجل الله فرجه من مكّة المكرمة حيث يكون شعيب أحد قوّاد جيشه حينئذٍ.
وروي في مختصر بصائر الدرجات في حديث الظهور عن الحسين بن حمدان بإسناده عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام عند ذكره لخروج الحسني الفتى الصبيح من الديلم، وأنّه تجيبه كنوز الله بالطالقان، وهي الرجال كزبر الحديد، وفيه: (لكأنّي أنظر إليهم على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب، أميرهم رجل من بني تميم يقال له شعيب بن صالح... ثمّ يسير أي الحسني بتلك الرايات كلّها حتّى يرد الكوفة، وقد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلاً...) الحديث.

وهذه الرواية ترسم أن حركة شعيب بن صالح من سمرقند ونهضته حينما تقبل إلى شمال إيران (الديلم) تلتحم بحركة الحسني ويكون شعيب بن صالح أميراً لجيش الحسني، ولا بدّ أنّ شعيب بن صالح لا يبقى طويلاً مع الحسني بعدما تقع الصيحة السماويّة ونحوها من العلامات الحتميّة، بل يلتحق بمكّة المكرّمة للالتحاق بجيش المهدي عجل الله فرجه جمعاً مع رواية عمّار بن ياسر المتقدّمة، وعلى أي تقدير، فالرواية هذه تفصح عن نسب شعيب بن صالح أنّه من بني تميم، ولعلّه من مواليد الديلم حيث يكون بدأ حركته منها، كما هو الحال في الحسني، لعلّه من مواليد سمرقند بعد كون بدأ حركته من الديلم، وهي شمال ايران هذا، ولعلّ شعيب بن صالح الذي يكون على لواء جيش المهدي يغاير الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً لجيش الحسني، كما احتمل ذلك الراوندي في (الخرائج والجرائح)، حيث روى عن ابن بابويه بإسناده عن الحسين عليه السلام، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أُبي بن كعب، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: (مرحباً بك يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرض...)، ثمّ ذكر المهدي من ولده وخروجه: (يخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وشعيب بن صالح على مقدّمته).

وقال قطب الدين الراوندي في ذيل الحديث: (وأمّا شعيب بن صالح فقد ذكر ابن بابويه في كتاب النبوّة بإسناده عن سهيل بن سعيد، ثمّ ذكر رواية أمر هشام بن عبد الملك لحفر بئر في الرصافة، وأنّه بدت لهم جمجمة رجل عليه ثياب بيض، وفي ثوبه مكتوب أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبيّ عليه السلام، إلى قومه، فضربوني وأضرّوا بي وطرحوني في هذا الجبّ).

وقد روى الراوندي قبل هذه الرواية أيضاً عن عبد الله بن يقطر... شعراً في المهدي عجل الله فرجه أربعة أبيات منها:
وقام بنو ليث بنصر ابن أحمد       يهزّون أطراف القنا والصفائح
تعرفتهم شعث النواصي يقودها  من المنـزل الأقصى شعيب بن صالح


وهذه الرواية لو صحّت فلا موجب لحمل اسم شعيب بن صالح الذي على مقدّمة جيش الإمام المنتظر عجل الله فرجه على إرادته، كما لا موجب لحمل اسمه على الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً على جيش الحسني عند خروجه، فلعلّه شعيب بن صالح النبيّ عليه السلام المذكور في القرآن، حيث إنّه يخرج مع المهدي الخضر وإلياس، كما قد تشير إليه بعض الروايات، كما ينـزل عيسى بن مريم ويصلّي خلفه، وعلى أي تقدير، فالروايات الواردة في شعيب بن صالح ليس فيها إشارة إلى صفة تمثيل رسمي له عن الحجّة عليه السلام قبل خروج المهدي عجل الله فرجه. هذا مع أنّ خروجه هو في نفس سنة الظهور المشتملة على العلامات الحتميّة، وأمّا ذو النفس الزكية فهو وإن كان له تمثيل رسمي عن الحجّة عجل الله فرجه إلاّ أنّه بحسب الروايات في خصوص أيّام لا تعدو الخمسة عشر قبل أخذ الإمام المهدي عليه السلام البيعة عند الركن في البيت في تلك المهمّة المذكورة في الروايات.

وقد مرّ استعراض جملة من بعض الروايات المحذّرة والناهية عن الاغترار بأدعياء الظهور، والمدّعين لتقمّص الأسماء اللامعة لسنة الظهور، كاليماني والحسني وذي النفس الزكيّة، ونحوهم، بل وقد وقعت هذه الادّعاءات والانتحالات في زمن الأئمّة السابقين عليهم السلام، بادّعا اسم النفس الزكيّة، كما وقع من بعض الحركات الثوريّة التي قام بها بعض بني الحسن (السادة الحسنيّين)، وهو: محمّد بن عبد الله، كما وقع انتحال اسم اليماني أيضاً، كما تشير إليه رواية الطوسي عن هشام، عن الصادق عليه السلام، التي مرّ نقلها. وأنّ الروايات توصي وتشدّد وتؤكّد على:

التوصية الأولى:
أنّ الحاسم للشبهة والقاطع للريب في صيحات أدعياء حركة الظهور هو الصيحة السماويّة والنداء من السماء باسم المهدي عجل الله فرجه، والأنباء بأنّه قد ظهر، وخروج السفياني واستيلاءه على الشام.

التوصية الثانية:
عدم ترشيح الروايات الواردة عنهم عليهم السلام في اليماني أو الحسني أو شعيب بن صالح، لكونهم يحملون صفة نيابة خاصّة أو تمثيل رسمي من قِبل الإمام عجل الله فرجه، عدا ذو النفس الزكيّة وتمثيله عن الحجّة عجل الله فرجه هو بعد الصيحة وخروج السفياني، وفي غضون خمس عشرة ليلة. فهذه توصيتان بالغتان في الأهمّية، وهناك توصيات اُخر في مجال الظهور تشير إليها الروايات الواردة عنهم عليهم السلام.

التوصيّة الثالثة:

أنّ هناك سلسلة ومجموعات سوف تنتحل وتتقمّص اسم المهدويّة والأسماء المشاركة في حدث الظهور، وظاهر الروايات أنّ الانتحال تارة بنحو الاسم العلمي، واُخرى الاسم النعتي والوصفي، منها:

ما رواه الصدوق في إكمال الدين بسند معتبر عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إيّاكم والتنويه، أما والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، وليمحّص حتّى يقال مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ)، قال: فبكيت، فقال لي: (ما يبكيك يا أبا عبد الله؟)، فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشر راية مشتبهة لا يدري أيّ من أي، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: (يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟)، قلت: نعم، قال: (والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس).

ورواه الطوسي في الغيبة بسنده أيضاً، والنعماني بطريقين آخرين، ومفاد الرواية ظاهر بيّن في نشوء حركات ترفع شعار الإصلاح، وتتقمّص مشروع المهدويّة اسماً أو وصفاً، ومن ثمّ يشتبه الحال والأمر فيها، إلاّ أنّه عليه السلام حدّد ضابطة في استعلام نهضتهم عليهم السلام، وهو ظهور المهدي عجل الله فرجه هو وضوحها وعدم حصول الالتباس فيها، وذلك لتقاربها مع العلامات الإلهيّة والآيات، كالصيحة السماويّة، والخسف بالبيداء لجيش السفياني بعدما يستولي السفياني على الشام، كما أنّ الرواية تنذر بوقوع الامتحان والتمحيص في أتباع أهل البيت عليهم السلام في عصر الغيبة، وأنّه لن يبقى على ولايتهم عليهم السلام إلاّ من كتب الله تعالى له الاستقامة. ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة في المعتبر عن أبي خديجة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لا يخرج القائم حتّى يخرج اثنى عشر من بني هاشم، كلّهم يدعو إلى نفسه). ورواه المفيد في الإرشاد أيضا.

ولا غرابة في نهوض حركات يقودها إصلاحيون منتسبون إلى بني هاشم، إلاّ أنّ واقع مسيرتهم هي للقبضة والسيطرة على الحكم، كما حصل من قبل من بني العبّاس، فإنّهم منتسبون إلى بني هاشم، وكان شعارهم هو الرضا من آل محمّد عليهم السلام، أي مقاومة الظلم الجاري على أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، إلاّ أنّهم لمّا سيطروا على الحكم أصبحت حاكميّتهم ونظام حكمهم هو المحور والمدار والهدف الأقصى، ولا يتقدّم على أهمّيته أيّ شيء آخر. ومن المفارقات العجيبة أن يشاهد أنّ المنصور الدوانيقي العبّاسي المعروف بالفتك والبطش بالعلويّين وبأهل البيت عليهم السلام لخوفه من نفوذهم الذي يضعف حكومته ونظامه السياسي ينادي بشعار نصرة المهدي من أهل البيت عليهم السلام، ويقوم بنشر علائم ظهوره، فقد روى الطوسي في الغيبة، والمفيد في الإرشاد، والكليني في الكافي بطرقهم عن إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخنا يذكره عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور، فسمعته يقول ابتداءً من نفسه: (يا سيف بن عميرة، لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب من السماء)، فقلت: يرويه أحد من النّاس؟

قال: (والذي نفسي بيده، لسمع اُذني منه يقول: لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من السماء)، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الحديث ما سمعت بمثله قطّ، فقال: (يا سيف، إذا كان ذلك فنحن أوّل من يجيبه، أما إنّه أحد بني عمّنا)، قلت: أي بني عمّكم؟ قال: (رجل من ولد فاطمة عليها السلام)، ثمّ قال: (يا سيف، لولا أنّي سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به ثمّ حدّثني به أهل الدنيا ما قبلت منهم، ولكنّه محمّد بن عليّ). فترى المنصور العبّاسي مع استبداده في حكمه السياسي يتقمّص شعار أنصار الظهور.

وروى الكليني بسند معتبر عن الحسين بن أبي العلاء، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ عندي الجفر الأبيض)، قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: (زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليه السلام، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج النّاس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتّى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر)، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: (السلاح، وذلك إنّما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل)، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: (إي والله! كما يعرفون الليل إنّه ليل، والنهار إنّه نهار، ولكنّهم يحملهم الحسد، وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم).

والظاهر أنّ المراد من قول السائل: (أيعرف هذا بنو الحسن)، الإشارة إلى أنّ المهدي عجل الله فرجه هو صاحب النهضة المسلّحة العسكريّة للإصلاح، وأنّهم إذا كانوا يعرفون، فلماذا يتقمّصون ويرفعون شعار المهدويّة كما ادّعى ذلك بعضهم في ثورته المسلّحة التي قام بها ضدّ حكومة العبّاسيّين، وادّعى بعضهم أنّه ذو النفس الزكيّة أيضاً، وهو ممّا يرتبط بالظهور للمصلح الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مع أنّ بني الحسن أقرب رحماً في بني هاشم لأهل البيت عليهم السلام من بني العبّاس، وقال عليه السلام: ولكنّهم مع معرفتهم بذلك طلبوا الحقّ، وهو مقاومة ظلم بني العبّاس، وطلبوا الإصلاح بغير الحقّ، أي بطريق خاطئ بغير الاُسلوب الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام لهم، بل أخذوا يتقمّصون دور المهدي عجل الله فرجه.

ونظير الرواية المتقدّمة التي رواها الطوسي في الغيبة والمفيد في الإرشاد ما رواه المفيد في الإرشاد أيضاً في موضع آخر في علائم الظهور: (وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثنا عشر من آل أبي طالب، كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه). وروى النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: (لا يقوم القائم عليه السلام حتّى يقوم اثنا عشر رجلاً كلّهم يجمع على قول إنّهم قد رأوه، فيكذِّبهم)، أي يكذّبهم القائم عجل الله فرجه بعد قيامه، والتعبير بـ (يقوم اثنا عشر رجلاً)، أي ينهضون بحركات إصلاحيّة متقمّصة لدعوة التنسيق والارتباط مع المهدي عجل الله فرجه. نعم في البحار روى المجلسي الرواية عن النعماني بلفظ (فيكذِّبوهم)، أي فيكذّب النّاس دعوى هؤلاء الرجال الاثنى عشر الذين يقومون بحركات أنّهم مرتبطون في برنامج حركتهم بنهوض المهدي عليه السلام الإصلاحي للعالم البشري.

وفي رواية النعماني معتبرة عن أبي خالد الكابلي، قال في حديث سؤاله عن أوصاف المهدي عجل الله فرجه قال له محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: (فتريد ماذا يا أبا خالد؟) قلت: أُريد أن تسمّيه لي حتى أعرفه بإسمه؟ فقال: (سألتني يا أبا خالد سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدّثاً به أحداً، ولو كنت محدّثاً به أحداً لحدّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة).

التوصية الرابعة:
الواردة في روايات الظهور: النهي عن التوقيت، وتكذيب من يوقّت، وأنّ وقت الظهور هو من الغيب المستور، بل إنّ في جملة من الروايات الاُخرى أنّ العلامات الحتميّة أيضاً ممّا قد يقع فيها البداء، أي وإن وقعت فقد لا تكون علامة موقتة لظهوره بخلاف أصل ظهور المهدي عجل الله فرجه، فإنّه لا بداء فيه لأنّه من الميعاد.

وهذا ممّا يبطل شعار أدعياء فرسان الظهور، ويحبط دجل المتقمّصين لأسماء مسرح الظهور، إذ التوقيت وضرب الموعد من الاُمور المحرجة لمن يدّعي تلك الأسماء، إذ بتوسّط فخّ التوقيت يصطاد السذّج، ويطلي الحيلة على المغفّلين، وبذلك يوقع المدّعي نفسه في الفخّ.

منها: ما رواه النعماني بسند معتبر عن محمّد بن مسلم، قال: قال: أبو عبد الله عليه السلام: (يا محمّد، من أخبرك عنّا توقيتاً فلا تهابنّ أن تُكذّبه، فإنّا لا نوقّت لأحد وقتاً).

وروي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: (أبى الله إلاّ أن يُغلق وقت الموقّتين).

وعن ابن أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّا لا نوقّت هذا الأمر).

ومنها: ما رواه أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم عليه السلام ؟ فقال: (يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد صلى الله عليه وآله: كذّب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء،... ولا يخرج القائم حتّى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة)، قلت: بِمَ ينادى؟ قال: (باسمه واسم أبيه، ألا إنّ فلان ابن فلان قائم آل محمّد، فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلاّ يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن الدار، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئيل عليه السلام ).

وصريح هذه الرواية كما هو صريح الروايات المستفيضة بأنّ عدم التوقيت لظهور المهدي عجل الله فرجه من الاُمور الثابتة في مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأنّ تحديد الظهور منحصر بالعلامات الحتميّة للظهور فقط، وأبرزها الصيحة السماويّة، وخروج السفياني في الشام.

وروى النعماني عن اُستاذه الكليني في المعتبر عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال: (يا مهزم، كذّب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون).

وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: لهذا الأمر وقت؟ فقال: (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون. إنّ موسى عليه السلام لمّا خرج وافداً إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمّا زاده الله على الثلاثين عشراً قال قومه: قد أخلفنا موسى، فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدّثناكم بحديث فجاء على ما حدّثناكم به فقولوا: صدق الله، وإذا حدّثناكم بحديث فجاء على خلاف ما حدّثناكم به فقولوا: صدق الله، تؤجروا مرّتين).

وذيل الرواية ظاهر في إمكان حصول البداء في العلامات الحتميّة كوقت للظهور، ونظير هذه الرواية ما رواه النعماني أيضاً في الغيبة بسنده عن داود بن أبي القاسم، قال: كنّا عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: (نعم)، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: (القائم من الميعاد).

التوصية الخامسة:
لزوم الثبات والاستقامة في أدوار التمحيص والامتحان في الغيبة: منها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام يقول: (والله! لتميّزنّ، والله لتمحّصنّ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزؤان من القمح، والزّؤان هو الحبّ الذي يشبه الحنطة ويصغر عنه حجماً ينبت بين الحنطة).

وروي عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سمعه يقول: (ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب)، قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟ قال: (شيء يسير)، فقلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، فقال: (لا بدّ للنّاس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق كثير).

وفي رواية اُخرى لمّا قيل له: إنّ شيعته كثير، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكنّ شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا معلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عايباً، ولا يُحدِّث لنا ثالباً، ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محبّاً)، فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟ فقال: (فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبدّدهم، إنّما شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل النّاس بكفّه، وإن مات جوعاً) الحديث.

وهذه الرواية حاسمة في بيان علامة الاستقامة على ولاية أهل البيت عليهم السلام، والرواية تنبأ عن مروق كثير من الشيعة من التشيّع لتولّيهم المخالفين ومعاداتهم للموالين تحت شعارات خدّاعة، وعناوين ملتبسة تنطوي على شرائح كثيرة لا تبصر الحقيقة من الدجل.

التوصية السادسة:
التحذير عن الخفّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواكب للإصلاح الشامل المهدوي. فقد مرّت رواية العيّاشي عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام يقول: (إلزم الأرض لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبداً حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة) ثمّ ذكر العلامات المحتومة مع تفاصيل كلّ منها، وقال: (وإيّاك وشذاذ من آل محمد عليهم السلام، ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه...).

وروى النعماني بإسناده عن عمر بن سعد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يقوم القائم حتّى تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلك دموع حملة العرش على أهل الأرض، وحتّى يظهر فيهم قوم لا خلاق لهم، يدعون لولدي وهم براء من ولدي تلك عصابة رديئة لا خلاق لهم، على الأشرار مسلّطة، وللجبابرة مفتنة، وللملوك مبيرة) الحديث.

وروى النعماني أيضاً بسنده عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يا جابر، إلزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها)، ثمّ ذكر عليه السلام العلامات الحتميّة للظهور.

وروى النعماني بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (كأنّي بقوم خرجوا بالمشرق، يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يقوموا، ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر).

والظاهر من هذه الرواية انطباقها على خروج الحسني الخراساني حيث إنّه يظهر من المشرق من خراسان أو الديلم، كما في ألسنة الروايات المختلفة، وهو الذي يسلّم الراية، أي راية وقيادة جيشه، إلى المهدي عجل الله فرجه في الكوفة، كما في روايات اُخرى، وأنّ في جيش الخراساني بعض أصحاب القائم في بعض الروايات، وأنّه يصفّي الأرض التي يمرّ بها من الظلم إلى أن يصل إلى الكوفة، كما في روايات اُخرى مرّت الإشارة إليها، لكن مع ذلك يوصي عليه السلام بالإبقاء على النفس والمحافظة عليها لنصرة المهدي عجل الله فرجه نفسه، أي تجنّب المشاركة في جيش الحسني الخراساني، وقد بيّنت بعض الروايات الاُخرى أنّ في جيشه شريحة من الزيديّة وصفاً وسلوكاً لا اسماً، يستعصون عليه في التسليم والانقياد للمهدي عجل الله فرجه ممّا يدلّل على أنّ المسار العام لجيش الحسني هو تبنّي الإمامة لمن يتصدّى علناً لتدبير الاُمور وإصلاحها، ويدلّ على ذلك أيضاً ما مرّ في بعض الروايات أنّ راية اليماني أهدى، لأنّ اليماني يدعو إلى صاحبكم، أي المهدي عجل الله فرجه، أي أنّ اليماني تبنّى أنّ الإمامة بالنصّ المحدودة بالاثنى عشر، بخلاف مسار ومرام الحسني فإنّه يتبنّى أنّ الإمامة بالتصدّي لإصلاح الاُمور والوضع العامّ، ومن ثمّ كنّي عن ذلك بوجود الزيديّة في جيشه أي مرام وسلوك الزيديّة لا التسمّي بذلك الاسم.

وروى النعماني بسنده عن يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليكم، فإذا كان فائتونا على صعب وذلول)، ومفاد الرواية كالتي سبقت في حصر النهوض المسلّح وادّخار النصرة العسكريّة لشخص المهدي عجل الله فرجه.

ومثل الروايتين ما رواه أيضاً عن خلاّد الصائغ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: (السفياني لا بدّ منه، ولا يخرج إلاّ في رجب)، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، إذا خرج فما حالنا؟ قال: (إذا كان ذلك فإلينا).

وروي في البحار عن كتاب سرور أهل الإيمان بإسناده عن أحمد بن محمّد الأيادي، رفعه إلى بريد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (يا بريد، اتّق جمع الأصهب)، قلت: وما الأصهب؟ قال: (الأبقع)، قلت: وما الأبقع؟ قال: (الأبرص، واتّق السفياني، واتّق الشريدين من ولد فلان يأتيان مكّة، يقسمان بها الأموال، يتشبّهان بالقائم عليه السلام، واتّق الشذاذ من آل محمّد).

قال المجلسي في ذيلها: قلت: ويريد بالشذاذ الزيديّة، لضعف مقالتهم، وأمّا كونهم من آل محمّد لأنّهم من بني فاطمة.
وعلى أي تقدير، فيظهر من الروايات أنّ الحركات التي تقوم بالشام من الأصهب والسفياني تحمل وترفع شعارات برّاقة منادية للإصلاح والرشاد في ظاهر حالها ممّا يوجب الانخداع والاغترار بها، هذا فضلاً عمّن يقوم بالحركات الاُخرى التي تضمّن في شعاراتها مزاعم الصلة بحركة المهدي عجل الله فرجه الإصلاحيّة.

وروي أيضاً بإسناده عن سدير، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام (يا سدير، إلزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغ أنّ السفياني قد خرج فارحل لينا ولو على رجلك).

ومثلها ما رواه عن الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام وفي ذيله: (فإذا ظهر على الأكوار الخمس أي السفياني يعني كور الشام، فانفروا إلى صاحبكم).

وروى الكليني بسنده عن الفضل الكاتب، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال: (ليس لكتابك جواب، اخرج عنّا)، فجعلنا يسارّ بعضنا بعضاً، فقال: (أي شيء تسارّون يا فضيل؟ إنّ الله عزّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله)، ثمّ قال: (إنّ فلان ابن فلان) حتّى بلغ السابع من ولد فلان قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينه جعلت فداك؟ قال: (لا تبرح الأرض يا فضيل حتّى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا يقولها ثلاثاً وهو من المحتوم)، والرواية تستعرض مسرح أحداث حركة أبي مسلم الخراساني المروزي الذي قاد الثورة على الأمويّين وتوافق مع العبّاسيّين بعد أن راسل الصادق عليه السلام وبني الحسن، فآيس من إجابتهم لدعوته.

وروى النعماني بسنده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له عليه السلام: أوصني؟ فقال: (اُوصيك بتقوى الله، وأن تلزم بيتك، وتقعد في دهماء هؤلاء النّاس، وإيّاك والخوارج منّا، فإنّهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء، واعلم أنّ لبني اُميّة ملكاً لا يستطيع النّاس أنّ تردعه، وأنّ لأهل الحقّ دولة إذا جاءت ولاّها الله لمن يشاء منّا أهل البيت، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له. واعلم أنّه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعزّ ديناً إلاّ صرعتهم المنية والبليّة حتّى تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله لا يوارى قتيلهم، ولا يرفع صريعهم، ولا يداوى جريحهم)، قلت: مَن هم؟ قال: (الملائكة).

وروى النعماني بسنده عن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، قال: (مثل خروج القائم منّا أهل البيت كخروج رسول الله صلى الله عليه وآله، ومثل مَنْ خرج منّا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوقع من وكره فتلاعبت به الصبيان).

ومن مجموع هذه الوصايا التي أمروا عليهم السلام بها، يتبيّن تأكيدهم عليهم السلام على عدم الاغترار وراء الحركات والنهضات المتشدّقة بشعارات الإصلاح التي هي شعار الإصلاح المهدوي عند ظهوره، وأنّه لا نيابة خاصّة للأسماء اللامعة في سنة الظهور.
وأنّ العلامة الأكيدة الحتميّة لانقطاع الغيبة ولمبدأ ظهوره في المدينة المنوّرة، ومن ثمّ ظهوره الأكبر العلني العالمي في مكّة المكرّمة هو الصيحة السماويّة لجبرئيل، وهو النداء من السماء، وقد حدّد في الروايات في شهر رجب وفي بعضها في شهر رمضان، وأنّه بعبارات متعدّدة.

والعلامة الثانية المحتّمة هي تحرّك السفياني في بلاد الشام واستيلائه عليها، وإرساله سرّية من جيشه إلى العراق، واُخرى إلى المدينة المنوّرة لمواجهة المهدي عجل الله فرجه، فيخسف بذلك الجيش في بيداء المدينة.
وإنّ توقيت ظهور المهدي عجل الله فرجه بغير ذلك من التحديد الزماني ما هو إلاّ خداع وتحايل على السذّج والبسطاء تغريراً بهم لاستمالتهم ولتسخيرهم حطباً ووقوداً لإنجاز مآرب الأدعياء المتقمّصين يصلون بهم إلى رئاستهم الباطلة.

وإنّ اللازم على الموالين المؤمنين في عصر الغيبة المتطاولة حتّى الظهور هو الثبات على الاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثنى عشر، أي إمامة المهدي الحيّ الحاضر الشاهد لأحداث البشريّة والتدين بولايته الفعليّة وتولّي الموالين لأهل البيت عليهم السلام، والتبرّي القلبي، وفي النموذج السلوكي العملي من أعداءهم، والتمسّك بالثوابت من أحكام أهل البيت عليهم السلام، وعدم الافتتان بالشعارات البرّاقة الخدّاعة المؤدّية إلى التخلّي عن التولّي والتبرّي وللمروق من معالم أحكام فقه أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم.

والحمد لله رب العالمين.


* فقه علامات الظهور/ العلامة الشيخ محمد السند