في ظل تلك الأوضاع الإرهابية الصعبة التي كانت تواجه الإمام العسكري ـ سلام الله عليه ـ مهمة على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية، فكان عليه أن يخفي أمر الولادة عن اعين السلطات العباسية بالكامل والحيلولة دون اهتدائهم الى وجوده وولادته ومكانه حتى لو عرفوا إجمالاً بوقوعها، وذلك حفظاً للوليد من مساعي الإبادة العباسية المتربصة به ولذلك لاحظنا في خبر الولادة حرص الإمام على خفائها، كما نلاحظ أوامره المشددة لكل مَن أطلعه على خبر الولادة من أرحامه وخواص شيعته بكتمان الخبر بالكامل فهو يقول مثلاً لأحمد بن إسحاق: ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً ومن جميع الناس مكتوماً.
ومن جهة ثانية كان عليه الى جانب ذلك وفي ظل تلك الأوضاع الارهابية وحملات التفتيش العباسية المتواصلة، أن يثبت خبر ولادته عليه السلام بما لا يقبل الشك إثباتاً لوجوده ثم إمامته، فكان لابد من شهود على ذلك يطلعهم على الأمر لكي ينقلوا شهاداتهم فيما بعد ويسجلها التأريخ للأجيال اللاحقة، ولذلك قام عليه السلام باخبار عدد من خواص شيعته بالأمر وعرض الوليد عليهم، بعد مضي ثلاثة أيام من ولادته كما عرضه على أربعين من وجوه وخلّص أصحابه بعد مضي بضع سنين والإمام يومئذ غلام صغير وأخبرهم بأنه الإمام من بعده، كما كان يعرضه على بعض أصحابه فرادى بين الحين والآخر ويظهر لهم منه من الكرامات بحيث يجعلهم على يقين من وجوده الشريف وقام عليه السلام باجراءات اُخرى للهدف نفسه مع الالتزام بحفظ حياة الوليد من الإبادة العباسية بما أثبت تأريخياً ولادة خليفته الإمام المهدي عليه السلام بأقوى ما تثبت به ولادة انسان.
ومن جهة ثالثة كانت تواجه الإمام العسكري ـ سلام الله عليه ـ مهمّة التمهيد لغيبة ولده المهدي وتعويد المؤمنين على التعامل غير المباشر مع الإمام الغائب، وقد قام عليه السلام بهذه المهمة عبر سلسلة من الاجراءات كإخبارهم بغيبته وأمرهم بالرجوع الى سفيره العام عثمان بن سعيد، فهو يقول لطائفة من أصحابه بعد أن عرض عليهم الإمام المهدي عليه السلام وهو غلام: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا الى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه. ومن إجراءاته عليه السلام في هذا المجال ـ تأكيده على استخدام اسلوب الاحتجاب والتعامل مع المؤمنين بصورة غير مباشرة تعويداً لهم على مرحلة الغيبة فكان: يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها الى دار السلطان وانما كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار، ومن هذه الاجراءات تثبيت نظام الوكلاء عن إلامام، وتأييد الكتب الحديثية التي جمع فيها أصحاب الائمة مروياتهم عنهم وعن رسول الله صلى الله عليه وآله ليرجع إليها المؤمنون في عصر الغيبة .1
1- اعلام الهداية ج12 ص 180.
|