مقالات

سيرة القائم
ولادته ومناقبه
بحوث حول الحجة(عج)
سفرائه ورسائله(عج)
علامات ظهوره(عج)
أدعية الحجة(عج)
دولة القائم المنتظر(عج)

المكتبة

سلسلة بين يدي القائم
سلسلة الدروس الثقافية

وظيفة الأنام في زمن الغيبة

الإمام المهدي(عج)
إنتظار المهدي(عج)
عقيدة الخلاص

المكتبة المرئية

أدعية
زيارات
محاضرات
خواطر

المكتبة الصوتية

أدعية وزيارات
محاضرات
أناشيد

المكتبة الفنية

تصاميم
مخطوطات

اللهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل، ورب الظل والحرور، ومنزل الزبور والقرآن العظيم، ورب الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء، وخالق من في الأرض، لا خالق فيهما غيرك، اللهم أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير وملكك القديم، يا حي يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حيا قبل كل حي، ويا حيا بعد كل حي، ويا حيا حين لا حي، ويا محيي الموتى، ويا حيا لا إله إلا أنت، يا حي، يا قيوم، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وارزقني من حيث أحتسب، ومن حيث لا أحتسب رزقا، واسعا، حلالا، طيبا، وأن تفرج عني كل غم، وكل هم وأن تعطيني ما أرجوه، وآمله، إنك على كل شئ قدير

علائم ظهور الإمام المهدي عليه السلام

تذكر الأحاديث الشريفة مجموعة من الحوادث والاُمور كعلائم لظهوره عليه السلام يهتدي بها المؤمنون لترسيخ وتسريع استعدادهم لنصرته والمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.

العلائم الحتمية وير الحتمية

وتذكر الأحاديث الشريفة قسمين رئيسين من علائم ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه. القسم الأوّل ماهو حتمي الوقوع، والقسم الثاني ماهو غير حتمي بل قد لا يقع إذا اقتضت الحكمة الإلهية ذلك. كما أن بعض هذه العلائم قريبة من زمن الظهور وبعضها سابق له بفترة طويلة.

اللغة الرمزية في أحاديث العلامات

كما تنبغي الإشارة هنا الى أن الأحاديث الشريفة تحدثت عن كثير من علائم الظهور بلغة الرمز والإشارة، لذا من الضروري لمعرفتها على نحو الدقة دراسة هذه اللغة ومعرفتها، كما ينبغي استجماع كل ماورد بشأن كل علامة من تفصيلات في الأحاديث الشريفة ودراستها بعيداً عن التأثر بالقناعات السابقة وبتأنّي وبدقة للتوصل الى مصداقها الحقيقي وعدم الوقوع في التطبيقات العجولة التي تبعد عن الهدف المراد من ذكر هذه العلائم، خاصة وأن اللغة الرمزية بطبيعتها تجعل من الممكن تطبيق كل علامة على أكثر من مصداق وهذا خلاف الهدف المراد من ذكرها أيضاً.

كما أنّ من الضروري الإشارة الى أن بعض الأحاديث الشريفة التي ذكرت علامات الظهور، حددت تكاليف محددة للمؤمنين ـ على نحو التصريح أو الإشارة تجاهها ـ فينبغي عند دراستها السعي للتعرف على هذه التكاليف للحصول على الثمار المرجوة من ذكرها.

وحيث إنّ علائم الظهور ترتبط بقضايا غيبية، لذلك فإنّها تعرضت للكثير من التحريف وداخَلها الوضع، لذا ينبغي التدقيق في هذا الجانب لتمييز الصحيح منها من الموضوع. على أنّ ثمة قضية مهمة اُخرى في هذا المجال هي وجود مجموعة من العلامات التي ذكرتها بعض الأحاديث الشريفة المرسلة أو غير المسندة ثم جاء الواقع التأريخي مصدّقاً لها فهذا دليل صحتها، لأنه أثبت أنه تحدثت عن قضايا قبل وقوعها وهذا مالا يمكن صدوره إلاّ من جهة ينابيع الوحي الإلهي.

أبرز علائم الظهور

والبحث في علائم الظهور طويل لا يسعه هذا المختصر، فنكتفي بعد هذه الملاحظات بنقل مالخّصه الشيخ المفيد رضي الله عنه من الأحاديث الشريفة مع الإشارة الى أن ثمة علامات أخرى لم يذكرها.
يقول(رحمه الله): ـ (قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروجُ السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهَدمُ سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَلِ خراسان، وخروج اليماني، وظُهور المغربي بمصرَ وتملُّكُه للشامات، ونزول التُرك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرقِ يُضيءُ كما يُضيءُ القمر ثم يَنعطفُ حتى يكاد يلتقي طَرَفاه، وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلعُ العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخُروجُها عن سلطان العجم، وقتلُ أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبالُ رايات سُود من المشرق نحوها، وبثقٌ في الفرات حتى يدخُل الماءُ أزقّة الكوفة، وخُروجُ ستين كذّاباً كلُّهم يدَّعي النبوة، وخُروج اثني عشر من آل أبي طالب كلُّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّايلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار; وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال الثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخٌ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلُّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.

ثم يُختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيا بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهة عن معتقدي الحقِّ من شيعة المهدي عليه السلام، فيعرفون عند ذلك ظُهوره بمكة فيتوجَّهون نحوه لُنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار.

ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الاُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق)1.

زوال علل الغيبة

اضافة الى هذه العلامات التي نصت عليها الأحاديث الشريفة; فإنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهديـ عجل الله فرجهـ, زوال العلل والعوامل التي أدت الى غيبته وتوفر الأوضاع المناسبة لقيامه ـ سلام الله عليهـ بمهمته الإصلاحية الكبرى2 والتي منها:

1 ـ اكتمال عملية التمحيص والغربلة للمؤمنين وتوفر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء بمختلف مراتبهم التي أشرنا اليها ضمن الحديث عن علل الغيبة; اي المرتبة العليا من الأنصار الذين يتحلون بالكفاءات القيادية اللازمة لمعاونته في اقامة الحكومة الإسلامية العالمية العادلة وإدارة شؤونها وقبل ذلك إدارة حركة الصراع ضد الكفر والشرك والعبوديات الطاغوتية ودحرها وإزالتها بالكامل.
ولعل أفراد هذه المرتبة هم الذين ذكرت الأحاديث الشريفة بأنّ عددهم (313) كعدة أهل بدر وذكرت لهم صفات عالية من الإيمان ومعرفة الله حق معرفته، ومن شدة التعبد لله والإخلاص له فهم (رهبان الليل)، ومن الشجاعة والكفاءة الجهادية العالية فهم (اُسد النهار) الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ومن الكفاءة العلمية العالية والإحاطة بعلوم الشريعة فهم (الفقهاء والقضاة)، ومن الكفاءة الإدارية الفائقة فهم (الولاة العدول)3 وغير ذلك من الصفات السامية الأخرى التي يُستفاد منها أنهم يمثلون جهاز الإمام القيادي والإداري عند ظهوره قبل إقامة دولته العالمية العادلة وبعدها.

2 ـ منها توفر القواعد الإسلامية العريضة المستعدة للتفاعل الإيجابي مع أهداف الثورة المهدوية الكبرى وإن تباينت درجاتها في تقديم النصرة العملية4. والذي يوجِد هذه الحالة هو اتضاح حقيقة وأحقية منهج أهل البيت النبوي الذي يمثله المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ، واتضاح زيف الشبهات المثارة على مدى التأريخ الإسلامي ضد هذا المنهج، واتضاح أنه هو المنهج الذي يمثل الإسلام المحمدي الأصيل.

وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى ذلك ضمن حديثها عن الحركة الموطئة للثورة المهدوية ودورها في عرض الصورة النقية لمذهب أهل البيت وعلومه الإسلامية النقية على الصعيد الإسلامي والعالمي، وبالتالي عرض الصورة الأصيلة للإسلام5.

ودور هذه الحركة التمهيدية التي نصّت الأحاديث الشريفة على انطلاقها قبيل الظهور المهدوي في عرض الصورة النقية للإسلام يوجِد حالة التطلع للإسلام كبديل حضاري لإنقاذ البشرية والإقبال عليه خارج دائرة العالم الإسلامي ـ كما هو المشهود حالياً في بوادره على الأقل ـ الأمر الذي يفتح أبواب التفاعل الإيجابي مع الثورة المهدوية الكبرى بين الشعوب غير الإسلامية أيضاً خاصةً وأنها جربت المدارس والتيارات الفكرية والسياسية الاُخرى وعايشت عملياً فشلها في تحقيق السعادة المنشودة للبشرية بل وجلبها للبشريّة الكثير من الأزمات المادية والمعنوية التي تعتصرها حالياً، الأمر الذي جعلها تتطلع الى بديل منقذ خارج المدارس والتيارات التي عرفتها، والى هذه الحالة أشارت الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أنّ الدولة المهدوية هي آخر الدول كما لاحظنا في الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الفصل الخاص بعلل الغيبة وأسبابها.

3 ـ منها أيضاً توفر وسائل الاتصال المتطورة التي تتيح للجميع التعرف على الحقائق، وبالتالي السماح بوصول الحق الى الجميع واتضاح بطلان وزيف المدارس الاُخرى، وأحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها المهدي ليه السلام وبالتالي تبنّي أشخاص للتيار الإسلامي وأهدافه التي يبشر بها المهدي الموعود بعد أن كانوا ينتمون تأريخياً الى المدارس الاُخرى، أي الانتقال عملياً الى صفوف أنصاره عليه السلام، كما تشير الى ذلك الأحاديث الشريفة المعللة للغيبة بإخراج (ودائع الله) المؤمنين من أصلاب الكافرين.

تأريخ ظهور الإمام المهدي عليه السلام:

ذكرت الأحاديث الشريفة أنه عليه السلام ظهر في وتر من السنين الهجرية6 أي من الأعوام الفردية، ويكون ظهوره في يوم الجمعة7 فيما ذكرت أحاديث أخرى أن خروجه يكون يوم السبت العاشر من محرم الحرام8 ولعل الجمع بين التأريخيين هو أن ظهوره يكون يوم الجمعة وفيها يخطب خطبته في المسجد الحرام فيما يكون خروجه منها باتجاه الكوفة يوم السبت.

مكان ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ وانطلاقة ثورته

ذكرت مجموعة من الأحاديث الشريفة أن بداية ظهوره يكون في المدينة المنورة وإعلان حركته يكون في مكة المكرمة9 وفي المسجد الحرام حيث يُعلن حركته ويدعو إليها في خطبة موجزة ذات دلالات مهمة وهي مروية عن الإمام الباقرعليه السلام ضمن حديث طويل عن ظهور سليله المهدي، يقول عليه السلام في جانب من الحديث:

ثم ينتهي الى المقام فيصلّي عنده ركعتين ثم ينشد الله والناس حقه. فيقول:

يا أيها الناس إنّا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا، من يحاجنا في الله فانا أولى بالله، ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجنا بمحمد فإنا أولى الناس بمحمّد صلى الله عليه وآله، ومن حاجنا في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله، أنا أشهد)نشهد(وكل مسلم اليوم إنّا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا واخرجنا من ديارنا واموالنا وأهالينا وقُهرنا، الا أنا نستنصر الله اليوم كل مسلم)10.

وورد في رواية ينقلها نعيم بن حماد وهو من مشائخ البخاري بسنده عن الإمام الباقرعليه السلام أيضاً، خطبة ثانية في المكان نفسه ولكن بعد أداء فريضة العشاء، فيروى عن الإمام الباقرعليه السلام قوله: (... فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: اُذكركم الله أيّها الناس، ومقامكم بين يدي ربّكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تُحيوا ما أحيى القرآن، وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، وَوَزراً على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، فإني أدعوكم الى الله، والى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته...)11.

وقفة عند خطبتي إعلان الثورة

ويُلاحظ في الخطبة الأولى تأكيده عليه السلام على مخاطبة أتباع جميع الديانات السماوية انطلاقاً من عالمية ثورته الدينية فهو يمثل خط الانبياء عليهم السلام جميعاً ويدعو الى الأهداف السامية التي نادوا بها جميعاً. هذا أولاً وثانياً يؤكدعليه السلام على تمثيله لمدرسة الثقلين فهو ممثل أهل البيت عليهم السلام ثاني الثقلين الذي لا يفترق عن الأول ـ أعني القرآن المجيد ـ لذلك فهم أولى الناس بكتاب الله جل ذكره وأعرفهم بما فيه وبسبل هداية البشرية على نور هداه السماوي.

ثم يشير ثالثاً الى مظلومية أهل البيت عليهم السلام وتعريضهم لأشكال الظلم والبغي بما أدى الى غيبة خاتمهم ـ عجل الله فرجه ـ وسبب تعريضهم لكل ذلك هو نزعات الطواغيت وعباد السلطة للاستئثار واتخاذ مال الناس دولاً وعباد الله خولاً ومنع أهل البيت عليهم السلام من إقرار العدالة الإلهية وقيادة الناس على المحجة البيضاء.

ثم يستنصر كل مسلم لدفع هذه المظلومية التي يكون في دفعها الخير للبشرية جمعاء لأنّ تسليم مقاليد الأمور الى ممثل نهج الأنبياء وعدل القرآن الكريم يعني تحقيق أهداف العدالة الإلهية، ولكن ـ عجل الله فرجه ـ يستنصر الله جل قدرته أولاً وفي ذلك إشارة الى حتمية انتصار ثورته الإصلاحية فهو المضطر الذي تُستجاب دعوته وولي دم المقتول ظلماً فهو منصور إلهياً، وبهذه الإشارة يحفز عليه السلام الناس لنصرته ليفوزوا بسعادة الدارين ويتقوا عذاب الدنيا وخزيها على يديه وعذاب الآخرة أكبر.

إعلان أهداف الثورة
أما في الخطبة الثانية التي يلقيها ـ عجل الله فرجه ـ بعد صلاة العشاء، فهو يحدد الأهداف العامة لثورته، وهي الأهداف التي يستنصر الناس لأجلها، والتي تمثل الوجه الآخر للثأر لمظلومية أهل البيت ومدرستهم ومنهجهم عليهم السلام ، فهو يحدد الهدف الأول والعام المتمثل باقامة التوحيد الخالص الذي بُعث لأجله الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ واُنزلت معهم الكتب السماوية، وهو الهدف الذي يتجسد من خلال طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله ومن خلال إحياء ما أحيا القرآن، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإماتة ما أماته القرآن وهو الباطل والبدع والشرك وسائر العبوديات الزائفة. فدعوته هي دعوة الى الله عز وجل وتوحيده والى رسول الله صلى الله عليه وآله والعمل بسنته الموصلة الى الله.

وعليه يتضح أن استنصاره للثأر لمظلومية أهل بيت النبوة تعني الدعوة الى المعونة على الهدف والمؤازرة على التقوى.

الاستجابة لاستنصاره ومبايعته
وأول مَن يبادر لبيعته عليه السلام في المكان الذي يستنصر فيه المسلمين أي مابين الركن والمقام هم صفوة أنصاره: (فيُبايع ما بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق)12.

ويُستفاد من مجموعة من الأحاديث المروية في مصادر أهل السنة أن ظهوره ومبايعته يكون بعد اختلاف بين قبائل الحجاز وأنه يرفض في البداية قبول البيعة ويخاطب المبايعين بالقول: (ويحكم! كم عهد قد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟)13، ويبدو أن هذا الرفض يمثل محاولة لإشعار المبايعين بمسؤولية وتبعات البيعة والمهمة التي هم مقبلون عليها نظير ما فعله جدّه الإمام علي عليهما السلام عند إقبال الناس على بيعته بعد مقتل عثمان.

ويُستفاد من بعض الأحاديث أن حركة الموطئة للظهور المهدوي تبعث بالبيعة للمهدي عليه السلام. وهو في مكة ثم تجددها بعد ذلك.
وتصرح بعض الأحاديث الشريفة أن أصحابه الخاصين أي الثلاثمائة والثلاثة عشر يجمعون في مكة وبصورة إعجازية أو سريعة بوسائل النقل المتطورة ليدركوا ظهور الإمام ويبايعوه.

خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخلية

يخرج عليه السلام بجيشه متوجهاً للكوفة التي يتخذها منطلقاً لتحركه العسكري بعد إنهاء فتنة السفياني والخسف الذي يقع بجيشه في البيداء14. وينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله المذخورة عنده في نجف الكوفة15. وتنصره الملائكة التي نصرت جده رسول الله صلى الله عليه وآله في معركة بدر16 وتذكر الأحاديث الشريفة أنه يواجه وأصحابه وجيشه صعوبات شديدة وتعباً في بداية تحركه العسكري17 وحروبه التي تستمر ثمانية أشهر لتصفية الجبهة الداخلية فيما تستمر ملاحمه عشرين عاما18.

ويُلاحظ هنا أن المسير الذي يختاره عليه السلام هو المسير الذي اختاره جده الإمام الحسين عليه السلام في نهضته الإستشهادية من مكة الى الكوفة، التي مُنع جده سيد الشهداء عن الوصول اليها فيصل سليله المهدي عليه السلام إليها ويحقق الأهداف الإصلاحية في الاُمة المحمدية التي سعى لها جدّه سيد الشهداء عليه السلام.

وعندما يدخل الكوفة يجد فيها ثلاث رايات تضطرب19 فيوحدها وينهي اضطرابها بنشره للراية المحمدية المذخورة وينهي جيوب النفاق المتبقية فيها في معركته مع الفرقة التي تصفها الأحاديث الشريفة بالبترية.

دخوله بيت المقدس ونزول عيسى عليهما السلام:

تنص الكثير من الروايات على دخوله عليه السلام بيت المقدس بجيشه ضمن إطار حادثة مهمة للغاية، هي نزول نبي الله عيسى بن مريم المسيح عليه السلام الذي بشرت بعودته نصوص الانجيل إضافة الى الأحاديث الشريفة المرويّة في الكتب الروائية الموثّقة عند أهل السنة والشيعة20 وتذكر الأحاديث الشريفة قصة صلاة عيسى صلاة الفجر خلف الإمام المهدي عليه السلام بعد أن يرفض عرض الإمام بأن يتقدم عيسى لإمامة الصلاة معللاً الرفض بأن هذه الصلاة اُقيمت لأجل الإمام المهدي فيقدّمه ويصلّي خلفه إشارة الى خاتمية الرسالة المحمدية، وفي ذلك نصرة مهمة للثورة المهدوية حيث توجّهها للعالم الغربي الذي يدين معظمه بالمسيحية.

ويظهر أن دخول المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يكون بعد تحريرها من الإفساد اليهودي وإنهاء حاكميتهم عليها. لذا قد يكون من الممكن القول بأن دخول الإمام بيت المقدس يكون بعد تصفيته الجبهة الداخلية ومقدمة لمواجهة الأعداء خارج العالم الإسلامي أو الروم حسب تعبير الروايات وفتح كل الأرض. من هنا نفهم سر توقيت نزول عيسى المسيح مع دخول المهدى عليه السلام بيت المقدس.

قتل الدجال وإنهاء حاكمية الحضارات المادية

إنّ معظم الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن نزول عيسى عليه السلام تذكر قيامه بكسر الصليب ورجوع النصارى عن تأليهه21 ثم قتل الدجال ـ الذي هو رمز الحضارات المادية ـ على يديه أو على يدي الامام المهدي بمعونته ليهما السلام.

ومع رجوع النصارى عن تأليه عيسى عليه السلام ومشاهدتهم لمناصرة نبيهم لخاتم أئمة الإسلام المعصومين تتفتح أبواب دخولهم الإسلام ـ وهم النسبة الأكبر من سكان الأرض ـ بيسر، ونتيجة لذلك تتيسر مهمة قتل الدجال والقضاء على الحضارات الطاغوتية وفتح الأرض وإقامة الدولة الإسلامية العالمية العادلة وبدء عملية البناء الإصلاحي وتحقيق أهداف الأنبياءعليهم السلام.

هذه ـ على نحو الإيجاز ـ المحطات الرئيسة لتحرك الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بعد ظهوره، وكل منها يشتمل على تفصيلات كثيرة لا يسع المجال لذكرها.

سيرته سيرة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله

تنص الأحاديث الشريفة أنه عليه السلام يسير بسيرة جده صلى الله عليه وآله الذي قال: (بُعثت بين جاهليتين لاُخراهما شر من أولاهما)22، وبيّن لاُمته الكثير من مظاهر الجاهلية الثانية الأشد شراً، فالمهدي: (يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان قبله ويستأنف الإسلام جديداً)23 وقد تحدث النبي صلى الله عليه وآله عن غربة الإسلام بعده ونقل عنه المسلمون ذلك24.

فالمهدي يهدم الجاهلية الثانية كما هدم جده صلى الله عليه وآله الجاهلية الأولى، ويستأنف الإسلام الذي عاد غريباً كما بدأ غريباً. ولكن ثمة فروقاً بين السيرتين تفرضهما بعض الخصوصيات الزمانية لكل منها. وهذه الخصوصيات الزمانية هي التي تفسّر الفروق في سيرتيهما عليهما السلام كما سنلاحظ بعضها في سياساته العسكرية والقضائية والإدارية والدينية وغيرها. ولهذا فلا يضر ذلك بحقيقة أن سيرتيهما ـ صلوات الله عليهما ـ واحدة.
ياء السنة وآثار النبي صلى الله عليه وآله
تقوم حركة المهدي الإصلاحية الكبرى على أساس إحياء السنة المحمدية وإقامتها التي يكون بها قوام كل القيم الإسلامية فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)25 وهو (يقفو أثري لا يُخطئ)26 وهو (رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي)27، فهو (يبين آثار النبي)28، ويدعو الناس الى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله. فهو مجددها كما أنه مجدد الإسلام ويظهر ماخفي واُخفي منها. وقد سمي (المهدي) لأنه يهدي الناس الى (أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور)29.

شدته مع نفسه ورأفته باُمته:

إن سيرة الإمام المهدي عليه السلام مع نفسه واُمته تجسد صورة الحاكم الإسلامي المثالي الذي تكون السلطة عنده وسيلة لخدمة الناس وهدايتهم لا مصدراً للدخل الوفير والظلم والاستئثار بالأموال واستعباد الناس، فهو يحيي صورة الحاكم الإسلامي التي جسدها من قبل ـ وبأسمى صورها ـ أبواه، ومن قبل رسول الله ووصيه الإمام علي ـ صلوات الله عليهما وآلهما. فهو مع نفسه: (ما لباسه إلاّ الغليظ وما طعامه إلاّ الشعير الجشب)30 وهو الذي (يكون من الله على حذر، لا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوط إلاّ في حد)31، أما مع اُمته فهو (الرؤوف الرحيم) بهم وهو الموصوف بأنه (المهدي كأنما يعلق المساكين الزُّبد)32، وهو الصدر الرحب الذي تجد فيه الأمة ملاذها المنقذ فهي: (تأوي إليه اُمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها)33 أو (كما تأوي النحل الى بيوتها)34.


1- صحيفة نور: 21.
2- تأريخ الغيبة الكبرى: 427.
3- مكيال المكارم: 2/ 158 ـ 159.
4- تأريخ الغيبة الكبرى: 341 ـ 342.
5- تاريخ الغيبة الكبرى: 362 ـ 363.
6- مكيال المكارم: 2 / 157 ـ 162.
7- راجع تفصيل السيد الإصفهاني لهذه النقطة في كتابه مكيال المكارم: 2/ 160 وما بعدها.
8- الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 368 ـ 370.
9- تُراجع نصوص الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الحديث عن علل الغيبة الكبرى.
10- عقد الدرر: 123 إثبات الهداة: 494، 518، الملاحم والفتن لابن حماد: 95، دلائل الإمامة للطبري الإمامي: 248 ـ 249، حلية الأولياء: 6 / 123، مستدرك الحاكم: 4/ 554 ينابيع المودة: 512، كمال الدين: 673، اختصاص الشيخ المفيد: 26، والأحاديث في مدح أصحاب المهدي وأنصاره كثيرة.
11- راجع توضيحات السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) لهذه المراتب من القواعد المؤيدة في تأريخ الغيبة الكبرى: 247 وما بعدها.
12- بحار الأنوار: 60/ 213، عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي (ق 3) ح 22 و 23 وعنه في منتخب الأثر: 263 و 443.
13- الإرشاد للشيخ المفيد: 2/379 وعنه في الفصول المهمة: 302 إثبات الهداة: 3 / 514.
14- إثبات الهداة: 3 / 496.
15- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: 4/ 300 وكذلك 333، اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 558، كمال الدين: 653، غيبة الطوسي: 274، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 65، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي: 145.
16- برهان المتقي الهندي: 144.
17- تفسير العياشي: 1 / 65، اختصاص الشيخ المفيد: 256.
18- الملاحم والفتن لنعيم بن حماد: 95، عقد الدرر 145، برهان المتقي الهندي: 141، الحاوي للفتاوي الحديثية: 2/ 71، وكتاب اللوائح للسفاريني: 2/ 11.
19-غيبة الطوسي: 284، وعنه في بحار الأنوار: 52 / 334، واثبات الهداة: 3/517، 518.
20- مستدرك الحاكم: 4 / 503، القول المختصر لابن حجر: 18، برهان المتقي الهندي: 143، عقد الدرر: 109، معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): 1/449.
21- فتن ابن حماد: 83 ـ 84، الحاوي للفتاوي: 2 / 67، البرهان: 118.
22- غيبة النعماني: 315، اثبات الهداة: 3 / 453.
23- بحار الأنوار: 52 / 308، إثبات الهداة: 3 / 583، 527، 493.
24- تفسير الطبري، 22: 72، تذكرة القرطبي: 2 / 693، سنن الدارمي: 104، مسند أحمد: 6 / 290، صحيح مسلم: 4 / 2208، سنن أبي داود: 4 / 108، سنن ابن ماجة: 2/ 1351، سنن الترمذي: 4/407، تأريخ البخاري: 5 / 118، سنن النسائي: 5 / 207. وأحاديث الخسف بجيش السفياني كثيرة مروية في الصحاح وغيرها ومن طرق أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً.
25- تفسير العياشي: 1 / 103، غيبة النعماني: 308، كمال الدين: 672.
26- تفسير العياشي: 1 / 197، إثبات الهداة: 3 / 549.
27- غيبة النعماني: 297.
28- إثبات الهداة: 3 / 469 بالنسبة للمدة الأولى، وتقول رواية لابن حماد: 127 أن ملاحمه تستمر عشرين سنة.
29- الارشاد: 362، غيبة الطوسي: 280.
30- دلائل الإمامة: 241، غيبة الطوسي: 283.
31- صحيح البخاري: 4 / 305، مسلم: 1 / 136، تأريخ البخاري: 7 / 233، سنن ابن ماجة: 2/ 1357، سنن الترمذي: 4/ 512، صحيح البخاري: 3 / 107، فتن ابن حماد: 103 وغيرها كثير مروية من طرق الفريقين.
32- الدر المنثور للسيوطي: 2 / 350.
33- أمالي الشجري: 2 / 77.
34- غيبة النعماني: 232، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 227، تهذيب الأحكام: 6/ 154.