مقالات

سيرة القائم
ولادته ومناقبه
بحوث حول الحجة(عج)
سفرائه ورسائله(عج)
علامات ظهوره(عج)
أدعية الحجة(عج)
دولة القائم المنتظر(عج)

المكتبة

سلسلة بين يدي القائم
سلسلة الدروس الثقافية

وظيفة الأنام في زمن الغيبة

الإمام المهدي(عج)
إنتظار المهدي(عج)
عقيدة الخلاص

المكتبة المرئية

أدعية
زيارات
محاضرات
خواطر

المكتبة الصوتية

أدعية وزيارات
محاضرات
أناشيد

المكتبة الفنية

تصاميم
مخطوطات

اللهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنزل التوراة والإنجيل، ورب الظل والحرور، ومنزل الزبور والقرآن العظيم، ورب الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، أنت إله من في السماء، وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء، وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء، وخالق من في الأرض، لا خالق فيهما غيرك، اللهم أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير وملكك القديم، يا حي يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حيا قبل كل حي، ويا حيا بعد كل حي، ويا حيا حين لا حي، ويا محيي الموتى، ويا حيا لا إله إلا أنت، يا حي، يا قيوم، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وارزقني من حيث أحتسب، ومن حيث لا أحتسب رزقا، واسعا، حلالا، طيبا، وأن تفرج عني كل غم، وكل هم وأن تعطيني ما أرجوه، وآمله، إنك على كل شئ قدير

البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

إن من الواضح لمن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية أنها تقدم مواصفات للمصلح العالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر الإمامي طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت عليهم السلام لذلك فإن مَن لم يتعرف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصل الى المصداق الذي تتحدث عنه كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسري الإنجيل بشأن الآيات (من سفر الرؤيا الفصل الثاني عشر (مكاشفات يوحنا اللاهوتي) فهم يصرحون بأن (الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الآيات لم يُولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البيّن موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه)1، في حين أن هذه الآيات تتحدث بوضوح عن الحكومة الإلهية التي يقيمها هذا الشخص في كل العالم ويقطع دابر الأشرار والشياطين وهي المهمة التي حددتها البشارات الاخرى بأنها محور حركة المصلح العالمي. لكن مفسري الإنجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح وهو السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام لأن البشارة واردة عن يوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح فهو المبشر بمجيء هذا المنقذ، كما أنهم لم يتعرفوا على عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظرعليه السلام، لذلك لم يستطيعوا الاهتداء الى مصداق تلك الآيات.

البشارات وغيبة الإمام الثاني عشر

وهناك باحث من أهل السنّة استطاع الاهتداء الى المصداق الذي تتحدث الآيات المشار اليها عندما تعرّف على عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم اجمعين ـ وهو الاستاذ سعيد أيوب حيث يقول في كتابه (المسيح الدجال) عن هذه الآيات نفسها: (ويقول كعب: مكتوب في أسفار الأنبياء: المهدي ما في عمله عيب) ثم علق على هذا النص بالقول: (وأشهد اني وجدته كذلك في كتب اهل الكتاب، لقد تتبع اهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده صلى الله عليه وآله، فدلت أخبار سفر الرؤيا الى امرأة، يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثم أشار الى امرأة اُخرى: أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته، وقال السفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم (التنين) وقال: والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد، يبتلع ولدها متى ولدت)2.

أي إن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه). والنص: واختطف الله ولده3، أي: إن الله غيّبَ هذا الطفل كما في قول باركلي.

وذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفا ومائتين وستين يوم4، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال: باركلي عن نسل المرأة (الاُولى)
عموماً: (إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال: في السفر: فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها الذي يحفظون وصايا الله)5.
وعقب الاستاذ سعيد أيوب على ما تقدم بالقول: هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ودعم قوله بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف على مهدي آل البيت عليهم السلام6.

البشارات وخصوصيات المهدي عليه السلام

ويُلاحظ في هذه البشارات الإنجيلية تناولها لخصوصيات في المصلح العالمي لا تنطبق إلا على أبرز ما يميز عقيدة مدرسة أهل البيت عليهم السلام والواقع التاريخي الذي مرت به.
إن تناول هذه الخصوصيات الظاهرة بالذات يشير الى حكمة ربانية في هداية الآخرين الى المصداق الحقيقي للمصلح العالمي بأبلغ حجة من خلال الإشارة الى ابرز خصوصياته الظاهرة والمعروفة لكي يكون الاهتداء اليها أيسر، فمثلاً نلاحظ فيها الإشارة الى تعرض مدرسة أهل البيت عليهم السلام لمخاطر التصفية والإبادة التي تؤدي بالتالي الى غيبة الإمام الثاني عشر منهم، ثم التأكيد على أن هذا الإمام محفوظ بالرعاية الإلهية في غيبته حتى يحين موعد ظهوره المبارك. ومعلوم أن القول بغيبة الإمام الثاني عشر هو أهم ما يميز عقيدة الامامية في المهدي المنتظر ولذلك وردت الإشارة اليها بالذات تسهيلاً للاهتداء الى المصداق الحقيقي للمنقذ العالمي.

كما وردت اشارات الى مميزات معروفة اخرى تختص بها عقيدة أئمة أهل البيت عليهم السلام، مثل القول بأنّ الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من سلسلة مباركة متصلة كما تشير لذلك الآيات المتقدمة وبشارات اخرى واردة في الكتب المقدسة، نظير ما ورد في (سفر التكوين من الأصل العبري)7، من الوعد على لسان الرب تعالى خطاباً لإبراهيم الخليل عليه السلام، بالمباركة والتكثير في صلب اسماعيل بمحمد صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر من عترته عليهم السلام8. ومعلوم أن مصداق الأئمة الاثني عشر من صلب اسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار اليها في البشارات إلا في الائمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام كما يثبت ذلك الواقع التاريخي فضلاً عن الأحاديث النبوية المتفق على صحتها بين المسلمين9، فهي خاصة بهم حتى اصبحت ظاهرة واضحة في التاريخ الاسلامي اُطلقت على المذهب المنتمي لأهل البيت فسمي مذهب الإمامية الاثني عشرية.

وعليه يتضح أن تلك البشارات تهدي الى حقيقة هي: أن المهدي هو خاتم هؤلاء الأئمة الاثني عشر.

البشارات وأوصاف المهدي عليه السلام

وردت في البشارات أيضاً اشارات الى ألقاب اختص بها المهدي الإمامي عليه السلام مثل وصف (القائم)10 فمثلاً نلاحظ البشارة التالية من سفر أشعيا النبي التي تحدث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الإمامية الاثني عشرية:11 ـ ويحلُ عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة، والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب.12 ـ ولذته في مخافة الرب، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ولا بحسب مسمع اُذنيه، ـ ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه... ـ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقها... لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. وفي ذلك اليوم سيرفع (القائم) راية الشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً).

ومثل وصف (صاحب الدار) المعدود من ألقاب الإمام المهدي عليه السلام، فقد وردت ضمن بشارات عن انتظار المنقذ العالمي الذي لا يختص به المسيحيون اشارة الى عدم هذا الاختصاص وتحدثت عن ظهوره المفاجئ وهي في (إنجيل مرقس، 13: 35).

ومثل وصف (المنتقم لدم الحسين عليه السلام المستشهد عند نهر الفرات) كما ورد في بشارة في (سفر أرميا، 46 / 2 ـ 11).

وقد صرّح بذلك الاستاذ الأردني عودة مهاوش في دراسته (الكتاب المقدس تحت المجهر) وذكر أنها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين عليه السلام. وهناك نظائر كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

الاهتداء الى هوية المنقذ على ضوء البشارات:

اذن معرفة هذه الخصوصيات تقودنا الى اثبات أن المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هو المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام كما تقوله عقيدة أهل البيت عليهم السلام لأن البشارات السماوية لا تنطبق على العقائد الاُخرى، فتكون النتيجة هو أن الديانات السابقة لم تبشر بظهور المنقذ العالمي في آخر الزمان بعنوانه العام وحسب بل شخّصت أيضاً هويته الحقيقية من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره عليه السلام، وهكذا تكون هذه البشارات دليلاً اضافياً على صحة عقيدة أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن.

ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (أسفار التوراة والأناجيل) بهذا الصدد، بحكم كونها معتبرةً عند أكبر وأهم الديانات السابقة على الاسلام أي اليهودية والنصرانية, ولأن هذين العهدين الموجودين حالياً قد مرّا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند علماء اليهود والنصارى واُجريت بشأنهما الكثير من الدراسات ودونت الكثير من الشروح لهما، ونسخهما كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات، غير أنّ الاعتماد على الاُصول العبرية أدق لوقوع أخطاء ولبس في الترجمات.

فالاقتصار عليهما لا يعني انحصار البشارات التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي المنتظر عليه السلام طبق عقيدة مذهب أهل البيت عليهم السلام، بل على العكس فإنّ امثالها موجودة في مختلف كتب الأديان الاُخرى وبتصريحات ودلالات أوضح ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب. ولكنها غير مشهورة عند الجميع ونسخها غير متداولة وأغلبها لم تترجم عن لغاتها الاُم إلا قليلاً. على أنّ الاقتصار على النماذج المتقدمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب، والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة .

الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف

وتبقى هنا قضيتان من الضروري التطرّق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصّلة من البحث.
القضية الأولى: هي مناقشة السؤال التالي: كيف يمكن الاستناد الى كتب الديانات الاُخرى في اثبات قضية مهمة مثل قضية تشخيص هوية المصلح العالمي المنتظر واثبات أنه المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام، واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الإلهي مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب؟

نعتقد أن الاجابة على هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع، ويمكن تلخيصها بما يلي:
1 ـ إن اثبات عقيدة منهج أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظر عليه السلام يستند الى الكثير من البراهين العقلية والآيات القرآنية وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الأحاديث النبوية والواقع التاريخي لسيرة ائمة أهل البيت عليهم السلام، كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع.
أما الاستناد الى البشارات الواردة في كتب الأديان المقدسة فهو من باب الدليل الاضافي أو الشواهد المؤيدة فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط أو بطلان الأساس, لأن هذه العقيدة قائمة على اُسس اُخرى أيضاً، اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة حتى مع افتراض بطلان بعض اُسسها باعتبار القول بتحريف تلك الكتب.
2 ـ ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل، وهي هداية اتباع الديانات الاُخرى الى الحق والى المصلح الإلهي الحقيقي بالاستناد الى كتبهم نفسها وفي ذلك حجة كاملة عليهم, هذا أولاً، وثانياً فإنّ مثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العالمي في القضية المهدوية، وتوفر محوراً جديداً للوفاق بين الأديان المختلفة بشأن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعاً.
3 ـ وليس ثمة مَن يقول بأن جميع ما في كتب الأديان السابقة محرف، بل إن المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فإنّ ما صدّقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآناً وسنّة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه, وهذا واضحٌ.

الاستناد الى ما صدّقه الاسلام من البشارات

1 ـ من الثابت اسلامياً أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد بشّر بالمهدي الموعود من أهل بيته ومن ولد فاطمة ـ سلام الله عليه, لذلك فإن البشارات الواردة في كتب الأديان السابقة من هذا النمط الذي لم تطاله أيدي التحريف ما دامت منسجمة مع ما صرح في النصوص الشرعية الاسلامية. اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به.
2 ـ يُضاف الى ذلك أن القرآن الكريم نفسه قد بشّر بالدولة الإلهية العالمية واقامتها في آخر الزمان كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دلّ عددٌ منها على المهدي الموعود وحتمية وجوده وغيبته، كما سنوضح ذلك في بحث لاحق ان شاء الله تعالى. وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الأديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الأمر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الكريم، وبالتالي الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها، فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطار المضامين التي صدّقها القرآن الكريم.
3 ـ إن بعض هذه البشارات ترتبط بواقع خارجي معاش أو ثابت تاريخياً، بمعنى أن الواقع الخارجي الثابت جاء مصدِّقاً لها. فمثلاً البشارات التي تشير الى ان المصلح العالمي هو الإمام الثاني عشر من ذرية اسماعيل وأنه من ولد خيرة الإماء وأن ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لوجوده فيحفظه الله ويغيّبه عن أعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وأمثالها، كلها تنبأت بحوادث ثابتة تاريخياً، وهذا يضيف دليلاً آخر على صحتها، مادام أن من الثابت علمياً أنها مدونة قبل وقوع الحوادث التي أخبرت عنها، فهي في هذه الحالة تثبت أنها من أنباء الغيب التي لا يمكن أن تصدر إلا ممّن له ارتباط بعلاّم الغيوب تبارك وتعالى. وبذلك يمكن الحكم بصحّتها وعدم تطرق التحريف اليها، وبالتالي يمكن الاستناد اليها والاحتجاج به.

تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية

أما القضية الثانية: فهي ترتبط بالاعتراض القائل بأن الاستناد الى هذه البشارات في اثبات عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظرعليه السلام يفتح باب التشكيك والادّعاء بأن هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الأديان السابقة.

والجواب على هذا الاعتراض يتّضح من الإجابة السابقة، فهو يصح إذا كانت العقيدة الإمامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها في حين أن الأمر ليس كذلك.

ولو قلنا بأن كل فكرة اسلامية لها نظير في الأديان السابقة هي من الأفكار الدخيلة في الاسلام, لأدى الأمر الى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيّات الاسلامية التي أقرّها القرآن الكريم وصحاح الأحاديث الشريفة وهي موجودة في الأديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى بطلانه على ذي لب. فالمعيار في تشخيص الأفكار الدخيلة على الاسلام هو عرضها على القرآن والسنّة والأخذ بما وافقهما ونبذ ما خالفهما، وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها مع العلم بأن فيها ما لم تتطرق له يد التحريف وفيه ما ثبت صدوره عن المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.

يُضاف الى ذلك أن عقيدة الإمامية في المهدي المنتظرعليه السلام تستند الى واقع تأريخي ثابت، فكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ثابت تاريخياً وحتى ولادته الخفية من الحسن العسكري عليه السلام قد سجلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية وأقرها علماء مختلف المذاهب حتى الذين لم يذعنوا أنّه هو المهدي الموعود وإن كان عدد الذين صرحوا بأنه هو المهدي من علماء أهل السنّة غير قليل أيضا.

نتائج البحث:

نصل الى القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:
1 ـ ان اصل فكرة الايمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الى جذور فطرية في الانسان تنبع من فطرة تطلّعه الى الكمال، ولذلك لاحظنا اجماع مختلف التيارات الفكرية الانسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. أما الفكر الديني فهو مجمع عليها لتواتر البشارات السماوية في كتب الأديان المختلفة بذلك. فلا يمكن قبول ما زعمه بعض المستشرقين بأن هذه الفكرة المجمع عليها تستند الى الخرافات والأساطير.
2 ـ إن القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيت عليهم السلام ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفكر الإنساني الذي يرى أن من الضروري أن يكون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفكر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة. بل إن وقوع الغيبات في تأريخ الأنبياء عليهم السلام يدعم هذا القول ويعززه.
3 ـ إن إجماع الأديان السماوية على الايمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور اقترن بالاختلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشئ من جملة من العوامل، منها: ان البشارات الواردة في الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية، والانسان بطبعه ميّال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها. ومنها: أن التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتماء لصاحب هذا الدور التاريخي المهم دفعت اتباع كل دين الى تأويل تلك البشارات أو خلطها بالبشارات الواردة بشأن نبي أو وصي معين غير المصلح العالمي أو تحريفها لتطبيقها على الأقرب من المواصفات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية. فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية وليس من نصوص البشارات نفسها.
4 ـ إن سبيل حل الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية استناداً الى الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض كل مصداق مرشح من قبل أي دين أو مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.
5 ـ إن تلك البشارات السماوية تهدي ـ بناءً على هذا المنهج العلمي ـ الى معرفة حقيقية هي أن المصلح العالمي الذي بشرت به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته، أي إنها تهدي الى المهدي الإمامي الذي يقول به مذهب أهل البيت عليهم السلام، وقد صرحت تلك البشارات بالهداية اليه من خلال ذكر صفات لا تنطبق على غيره، ومن خلال ذكر خصائص فيه امتاز بها واشتهرت عنه كما لا حظنا.
6 ـ ان الاستناد الى هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظرعليه السلام يشكل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الى الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدى المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الاستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كل نصوصها الموحاة، فيمكن الاستناد الى ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية مما ورد في كتب الديانات السابقة, وكذلك ما صدقه الواقع التأريخي الكاشف عن صحة ما أخبرت عنه باعتباره من أنباء الغيب التي لا يعلمها سوى الله تعالى، ومنها أخبار المهدي عليه السلام.
7 ـ إن في الاستناد الى بشارات الأديان السابقة في اثبات صحة عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي الموعود واضافته الى الأدلة الشرعية والعقلية الاُخرى ثماراً عديدة، منها: الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الايمان بها لدى اتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى على الاهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة ودعوتهم الى الاسلام من هذا الطريق، والاحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة، ومنها: ايجاد محور توحيدي لدعاة الاصلاح الديني من اتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم على أساس الايمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهّدين لظهوره طبقاً للعقيدة الاسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والانساني.
يقول العلامة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر: وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر اشباعاً لكل الطموحات التي انشدّت الى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مر التأريخ. وذلك لأن الإسلام حوّل الفكرة من غيب الى واقع، ومن مستقبل الى حاضر، ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود الى اكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي عليه السلام فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمدّ يده الى كل مظلوم وكل محروم وكل بائس ويقطع دابر الظالمين.

وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين هويّته ووجوده على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعور هم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً عن إنسان حي محدد يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له)13.


1- سفر الرؤيا 12: 13.
2- المسيح الدجال، سعيد أيوب: 379 ـ 380 / نقلاً عن المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي، اصدار مركز الرسالة: 13 ـ 14.
3- سفر التكوين: 17: 20، و22 ـ 23.
4- أهل البيت في الكتاب المقدس، احمد الواسطي: 105 ـ 107.
5- راجع الفصل الأول من كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي، فقد نقل فيه (271) حديثاً من المصادر الحديثية المعتبرة عند مختلف طوائف المسلمين تشتمل على إخبار النبي صلى الله عليه وآله باتصال الإمامة في هؤلاء الأئمة الاثني عشر من أهل بيته عليهم السلام الى يوم القيامة وفيها احاديث تنص صراحة على اسمائهم أو تحدد أن أوّلهم الإمام علي عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي عليه السلام، وللشيخ الصافي في هذا الفصل تعليقة استقرائية تأريخية تثبت عدم صدق هذه الأحاديث على غير الائمة الاثني عشر من عترة آل الرسول صلى الله عليه وآله.
6- اختص هذا اللقب بأئمة العترة الطاهرة، واذا اُطلق كان المراد منه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظرعليه السلام، راجع كتاب النجم الثاقب لآية الله الميرزا حسين النوري 1: 211، من الطبعة المترجمة الى العربية، وقد ذكر الميرزا النوري أن هذا اللقب مذكور في الزبور الثالث عشر وغيره، نقل ذلك عن كتاب ذخيرة الألباب للشيخ محمد الاسترابادي.
7- أهل البيت في الكتاب المقدس: 123 ـ 127.
8- النجم الثاقب: 2 / 198.
9- بشارات العهدين: 277.
10- الكتاب المقدس تحت المجهر: 155، نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي: 1، وراجع بشأن هذه البشارة، أهل البيت في الكتاب المقدس: 1 / 185 ـ 186.
11- راجع مثلاً ما نقله الشيخ الصادقي ـ في كتابه بشارات العهدين ـ من كتب الأديان الاُخرى.
12- بل أثبتت دراسات عدد من علماء أهل السنّة تواتر هذه الأحاديث الشريفة، مثل كتاب (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) للإمام الشوكاني، وكتاب (الاشاعة في أشراط الساعة) للبرزنجي، وكتاب (التصريح) للكشميري وغيرها.
1- أعلام الهداية .