ومن بين الأمارات الحتمية خروج الدجال وظهوره على مسرح الحياة، وقيامه بتضليل الرأي العام وانقياد اليهود لحكمه، وتماديهم في الولاء له وإغرائه للسذج والبسطاء بالأموال حتى يكون قوة ضاربة يسيطر على بعض مناطق العالم الإسلامي، وعلى أي حال فلا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عن الدجال.
وتضافرت الأخبار بحتمية ظهور الدجال قبل خروج الإمام المنتظر عليه السلام، وهذه بعضها:
1 - روى هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال ".
ومعنى الحديث أن الدجال من أهم الأحداث التي تجري في عالم الوجود وذلك لما يصحبه من الفتن والدجل وإراقة الدماء.
2 - روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " ما من نبي إلا أنذر الدجال الأعور الكذاب ألا إنه أعور وأن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ".
لقد حذر الأنبياء أجمعهم من فتنة الدجال وإغرائه ودعواه الكاذبة التي تصد عن الحق، وتلقى الناس في شر عظيم.
3 - روت أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: " كان النبي صلى الله عليه وآله في بيتي فذكر الدجال فقال إن بين يديه ثلاث سنين، سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثانية تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت وإن أشد فتنة أن يأتي الأعرابي، فيقول: أرأيت أن أحييت إبلك الست تعلم أني ربك ؟ فيقول: بلى فتمثل الشياطين له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعها وأعظمها أسنة قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول بلى فتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه، قالت أسماء: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لحاجة ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به فأخذ صلى الله عليه وآله بنا حتى باب والتفت إلى أسماء فقال لهم: " مهيم-ماذا يا- أسماء ؟ ".
فقالت أسماء: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال فقال صلى الله عليه وآله: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن، فقالت أسماء يا رسول الله إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ فقال صلى الله عليه وآله: يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس ".
4 - روى أبو إمامة الباهلي قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله: أن قال: " إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يمينا ويعيث شمالا يا عباد الله فأثبتوا فإني سأصفه لكم وصفا لم يصفه إياه نبي قبلي إنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي فيقول أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وأنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم، وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت أن بعثت لك أباك وأمك أتشهد إني ربك ؟ فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله تعالى ويقول له الخبيثَ من ربُّك ؟ فيقول: ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم ".
ألقابه
ولم يتضح لنا اسم الأعور الدجال فقد عرف بلقبه ومن ألقابه الأخر، المسيح، والسبب في لقبه هذا اللقب أمور
أ - أنه ممسوح العين.
ب - أنه يمسح الأرض يقطعها أو يطوفها كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس.
كنيته
ويكنى ب:
1 - أبي يوسف.
2 - أمير السلام أو إله فتى كرست لقبه بذلك اليهود.
3 - الرئيس لقبه بذلك النصارى.
4 – الدكتاتور.
5 - الحاكم الأعلى.
أوصافه
أما صفات أعور الدجال فهي قبيحة تنم عن شروره وآثامه، وقد أعلنت والأخبار بعض صفاته وملامحه فقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله ما يلي:
1 - إنه أعور العين اليسرى.
2 - أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة.
3 - إنه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في جنب جدار.
وعلى أي حال فهو أعور سواء كانت عينه اليمنى أو اليسرى.
4 - أنه هيجان أزهر أي أبيض فيه حمرة.
5 - عريض الجبهة مشرف.
6 - جفال الشعر أي شعره كثيف ملتف.
بلاء المؤمنين به
ويبتلى المؤمنون به يقول بعض العلماء: " ليس على أهل القدر حديث أشد من حديث الدجال. يقول النووي:" إنه شخص ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله سبحانه، وتظهر على يده بعض الآيات كإنزال المطر وغيره حتى يكون فتنة لمن رآه ولكن الله تعالى يكشف زيفه للمؤمنين الأخيار ويؤمن به السذج والبسطاء ممن أظلمت نفوسهم، وأثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:" كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها، فمن تبعه أطعمه وأكفره، إنه مصدر فتنة وبلاء واختبار إلى الناس، فمن آمن به فقد صرف من الإسلام، ومن كفر به وجحده فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للإيمان، وأنه ليفتك بالمؤمنين فتكا ذريعا، وينزل بهم أقسى وأشد ألوان العذاب ".
جنوده وأتباعه
أما جنود الدجال وأتباعه فمعظمهم من اليهود الذين هم السبب لكل فتنة وفساد في الأرض، وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الدجال أول من يتبعه سبعون ألفا من اليهود عليهم السيجان، ومعه سحرة اليهود يعملون العجائب ويرونها للناس فيضلونهم بها "، وفي رواية أخرى: " يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وثلاثة عشر ألف امرأة، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله: " يخرج إليه غوغاء الناس " والغوغاء معظمهم من السواد الذين تغويهم الدعاية حيثما شاءت، ومن أتباعه ذوو الأطماع، ففي الحديث النبوي: " ليصبحن الدجال أقوام يقولون إنا لنصحبه وإن لنعلم أنه كافر، ولكن نصحبه لنأكل من طعامه، ونرعى من الشجر، فإذا نزل غضب الله نزل عليهم جميعا".
إيمان اليهود بالدجال
وتؤمن اليهود بالدجال، وينصبونه قائدا أعلى لهم، ويرون أنه المسيح الموعودون به، ويقولون هذا هو حقا المسيح الذي طالما انتظرناه، هذا هو الذي يتكلم كتابنا المقدس عنه ".
إن اليهود يؤمنون بالدجال؛ لأنه يحمل أفكارهم وأحقادهم على الإسلام، وهو سيدخل المعارك ضد المسلمين لتحقيق أطماع الصهيونية التي تمده بالمال والسلام.
أمارات ظهوره
أما أمارات ظهور الدجال فهي أن يمنى الناس بكوارث اجتماعية واقتصادية، والتي منها:
شيوع الظلم والجور، وانتشار الفساد، وانعدام التوازن بين أفراد المجتمع وداخل الأسرة، كما أن من الأمارات جفاف المياه، وقلة الزراعة، وانتشار القحط، وشيوع البطالة، وفقدان العمل، وانعدام المستوى الثقافي والحضاري، وغير ذلك من الآفات الاجتماعية المدمرة، وفي الحديث النبوي: " يكون قبل خروجه سنون خمس جدب، يهلك كل ذي حافر ". ويأتيهم الدجال بالطعام لإغرائهم وصدهم من سبيل الله تعالى إنه يأتيهم بالطعام في وقت ينهش الجوع أجسامهم، وقد عجزت التكنولوجيا من توفير الطعام لهم، وفي الحديث: " لأنا أعلم بما مع الدجال، معه نهران: أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تتأجج " .
تسخير الكنوز له
ومن بلاء الدجال وفتنته أنه يخرج المعادن من الأرض ففي الحديث: " يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها "، وفي حديث آخر: " إنه يأمر الأرض أن تنبت فتنبت ". ومعنى ذلك أنه يستخدم السحر في سبيل أغراضه وغوايته للخلق، فالسحر سلاحه الوحيد الذي يسيطر به على البسطاء الذين لم يكن لهم أي رصيد من العلم والتقوى.
نهايته
ونهاية هذا المجرم الخطير تكون على يد الإمام المنتظر المنقذ الأعظم، فقد روى الإمام الصادق عليه السلام بسنده عن آبائه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله أنه ذكر خروج الدجال والقرية التي يخرج منها وبعض أوصافه، وأنه يدعي الألولهية، وأنه في أول يوم من خروجه يتبعه سبعون ألفا من اليهود وأولاد الزنا والمدمنين بالخمر والمغنين وأصحاب اللهو والأعراب والنساء، وقال عليه السلام: " فيبيح الزنا واللواط وسائر المناهي حتى يباشر الرجال النساء والغلمان في أطراف الشوارع عراة وعلانية ويفرط أصحابه في أكل لحم الخنزير وشرب الخمور وارتكاب أنواع الفسق والفجور، ويسخر آفاق الأرض إلا مكة والمدينة ومراقد الأئمة عليهم السلام، فإذا بلغ في طغيانه وملأ الأرض من جوره وجور أعوانه يقتله من يصلي خلفه عيسى بن مريم، وهو الإمام المهدي عليه السلام ".
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص302-311.
|