تمهيد
... ليس هناك توقيت لظهور الإمام الحجّة عجل الله فجه الشريف، ولكن رغم ذلك لم يترك أمر الظهور بدون أيِّ إشارة إليه، فقد ذكرت العديد من الروايات أموراً وحوادث عديدة اعتبرَتها مؤشِّراً على قرب زمن الظهور، وهو ما اصطُّلح عليه بعلامات الظهور، وهذه العلامات متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة.
فبعض العلامات واضحة في معناها والمقصود منها، وبعضها الآخر أشبه بالرمز الذي لا يتضِّح معناه بشكل واضح ودقيق، ولعلَّ سبب الإبهام والترميز هو اختلاف الأزمنة وصعوبة التعبير عن أمور غير موجودة في ذلك الزمن، فيستعاض عنها بالتشبيه والترميز.
وبعض علامات الظهور، تتحدَّث عن الأجواء العامَّة للزمن الذي يحصل فيه الظهور، ومن الطبيعي أنَّ الأجواء العامَّة لا تحدث بلحظة واحدة عادة وإنَّما تكون على نحو التراكمات الاجتماعية، وبالتالي فإنَّ مثل هذه العلامات لا تكون ملاصقة لزمن الظهور تماماً ويحتمل أنْ يتراخى الزمن حتّى يحصل الظهور بعدها. فيما هناك علامات أخرى أشبه بالأحداث والوقائع التي تكون قبيل الظهور بفترات قليلة يعقبها الظهور مباشرة، وبالتالي فهي علامات قريبة جداً من زمن الظهور.
وقد قسَّموا العلامات أيضاً إلى علامات حتميَّة الوقوع، وأخرى غير حتميَّة، ويمكن أنْ لا تتحقّق، ولا يتوقف عليها الظهور بشكل أكيد.
وقبل أن نفصِّل ذلك كلَّه هناك سؤال لا بدَّ من طرحه، وهو: ما الفائدة من الإخبار عن علامات الظهور؟
لماذا علامات الظهور؟
علامات الظهور لها فوائد متعدِّدة وكبيرة على مستوى حفظ المؤمنين في زمن الغيبة ومواجهة تحديات ذلك الزمان، وعلى مستوى جهوزيَّتهم واستعدادهم عند الظهور، وعدم تراخي الهمم وضعف العزيمة مع تطاول الزمن.
أمَّا حفظ المؤمنين في مواجهة التحدّيات، فمن جهتين:
الجهة الأولى: بعث نور الأمل مع تراكم التحدّيات والصعوبات، فعندما يكثر الفساد في المجتمع وتضيع الحقوق، ويبدأ الإنسان بالإحساس بالإحباط في مواجهة تلك التحدّيات يلاحظ علامة أو عدَّة من علامات الظهور، فتعود شعلة الأمل لتضيء روحه وقلبه من جديد، ويتذكَّر أنَّ الفساد والظلم ليس له إلا جولة، وستنتهي هذه الجولة في يوم ما، وقد بدأت علائم أزوف جولته تظهر من خلال علامات الظهور.
الجهة الثانية: أنَّه مع قراءة علامات الظهور، وكيف أنَّ زمن الظهور سيكون بعد وصول الظلم والفساد إلى القمَّة، فإنَّه بعد ذلك مهما رأى من ظلم وفساد لن يصاب بالمفاجأة والصدَّمة والإحباط، فهو يتوقَّع ذلك من خلال ما يذكر في وصف زمن الظهور وعلاماته العامَّة، وسينقلب الإحباط من وجود الظلم إلى التفاؤل بقرب الظهور.
وأمَّا تأثير العلامات على الجهوزيَّة، فلأنَّ المؤمن عندما يرى علامة تشبه علامات الظهور سيستبشر بقرب الظهور، وبالتالي سيكون أكثر حيويَّة وجهوزيَّة وفعاليَّة في مواجهة الفساد، ليحصل على لياقة أن يكون جنديَّاً من جنود الإمام.
الأجواء العامة قبيل الظهور
وهناك رواية عن أمير المؤمنين (ع) تختصر الدرجة التي وصل إليها الإنحطاط في المجتمعات الفاسدة، حيث يقول : "احفظ... فإنَّ علامات ذلك: إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلُّوا الكذب وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا... وباعوا الدين بالدُّنيا واستعملوا السفهاء، وقطعوا الأرحام واتَّبعوا الأهواء واستخَفُّوا بالدماء، وكان الحِلْمُ ضعفاً والظلم فخراً، وكان الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقُرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزُّور واستُعلِن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان.
"... وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقِيَ الفاجر مخافة شرِّه وصُدِّق الكاذب واؤتُمِنَ الخائن واتُّخِذَت القِيَان والمعازف، ولعن آخر هذه الأُمَّة أوَّلها، وركبت ذوات الفروج السروج وتشبَّه النساء بالرجال والرجال بالنساء..."1.
وقائع قبيل الظهور
هناك العديد من العلامات والأحداث التي ستحصل قبيل الظهور مذكورة في الروايات، نذكر بعضها مع تصنيفها إلى أقسام
ألف- الحركات العسكرية
1- خروج السفيانيّ: وفي حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "فبينما هم كذلك أي أثناء الفتنة بين أهل المشرق والمغرب، يخرج عليهم السفيانيّ من الوادي اليابس في فور ذلك حتَّى ينزل دمشق، فيبعث جيشين: جيشاً إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتَّى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة (يعني بغداد) فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمئة كبش من بني العبَّاس ثمَّ ينحدرون إلى الكوفة"2.
وعن الإمام الصادق (ع): "لو رأيت السفيانيّ رأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق"3.
2- خروج اليمانيّ: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خروج الثلاثة: السفيانيّ والخراسانيّ واليمانيّ في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها من راية أهدى من رايةٍ اليمانيّ لأنَّه يدعو إلى الحقِّ"4. وفي حديث عنه :"خروج السفيانيّ واليمانيّ والخراسانيّ في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس في كل وجه ويل لمن ناواهم، ليس في الرايات أهدى من راية اليمانيّ هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليمانيّ حرَّم بيع السلاح على كلِّ الناس"5.
3- إقبال الرايات السود من خراسان: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهديُّ بعثت إليه بالبيعة"6، وعن أمير المؤمنين
(ع): "إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتَّى تقتل تحتها"7.
ب- أحداث محدَّدة
قتل النفس الزكيَّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين: ورد عن الإمام الصادق
(ع): "وليس بين قيام قائم آل محمَّد وبين قتل النفس الزكيَّة إلا خمس عشرة ليلة"8.
ج- كوارث وأحداث طبيعيَّة
1- خسف بالبيداء: ورد عن الإمام الصادق (ع): "قبل قيام القائم عجل الله فرجه الشريف اليمانيّ والسفيانيّ والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء وقتل النفس الزكيَّة"9.
2- خسف بالمشرق وخسف بالمغرب: في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... يكون عند ذلك ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب"10.
3- طلوع الشّمس من المغرب: عن الإمام الباقر (ع): "...وطلوع الشّمس من المغرب من المحتوم"11.
إعلان الظهور
الصيحة في السماء: وعن الباقر (ع): "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب لا يبقى راقد إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب"12.
* معز الأولياء، سلسلة الدروس الثقافية. نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2009م- 1430هـ ص: 91-95.
1- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 193
2- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 186
3- م.ن. ص 206
4- م.ن. ص 210
5- م.ن. ص 232
6- م.ن. ص 217
7- المتَّقي الهندي، كنز العمال، ج 11، ص 278
8- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 445
9- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 203
10- الشيخ علي كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ج 1، ص 361
11- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 289
12- م.ن. ص 230
|