|
|
|
|
|
الغيبة الصغرى وأسبابها للإمام المهدي عليه السلام |
كان للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ غيبتان: صغرى وكبرى، أخبرت عنهما معاً الكثير
من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعن الائمة
المعصومين من أهل بيته عليهم السلام كما نشير لذلك لاحقاً، بل وأشارت إليها بعض
نصوص الكتب السماوية السابقة .
تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة أ بيه الحسن العسكري عليه السلام سنة (260 هـ)
وتولّى المهدي مهام الإمامة الى حين وفاة آخر السفراء الأربعة الخاصين بالإمام
المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة (329
هـ) تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام المهدي عليه السلام; فتكون مدتها قرابة السبعين
عاماً، وقد تميزت هذه الفترة بعدم الاستتار الكلي للإمام حيث كان يتصل بعدد من
المؤمنين، كما تميزت بكثرة الرسائل الصادرة عنه عليه السلام في موضوعات عديدة،
وكذلك بوجود السفراء الخاصين والوكلاء الذين كان يعينهم مباشرة. وهذه الفترة مثلت
مرحلة انتقالية بين الظهور المباشر الذي كان مألوفاً في حياة آبائه وبين الاستتار
الكامل في عهد الغيبة الكبرى.
أما الغيبة الكبرى فقد بدأت إثر وفاة الشيخ السمري إذ أمره الإمام بعدم تعيين خليفة
له، بعد أن استنفذت الغيبة الصغرى الأهداف المطلوبة منها. والغيبة الكبرى مستمرة
الى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله تبارك وتعالى للإمام بالظهور والقيام بمهمته
الإصلاحية الكبرى.
وتميزت الغيبة الكبرى بانتهاء نظام السفارة الخاصة عن الإمام، وبقلّة الرسائل
الصادرة عنه عليه السلام، وبالاستتار الكلي إلا في حالات معينة سنتحدث عنها وعن
تفصيلات ما أجملناه آنفاً ضمن البحوث التالية.
أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها
أسباب الغيبة الصغرى
جاءت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ كإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحكمة
الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإصلاحية الكبرى
التي يحققها الله تبارك وتعالى على يديه عليه السلام والتي تتمثل في إظهار الإسلام
على الدين كله وإقامة الدولة الإسلامية العادلة في كل الأرض وتأسيس المجتمع
التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له دونما خوف من كيد منافق أو مشرك
كما نصت على ذلك النصوص الشرعية التي سنتناولها في الفصل الخاص بسيرته عليه السلام
بعد ظهوره.
إن الانحراف الذي ساد الكيان الإسلامي قد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي
أراده الله سبحانه، له أي لكي يكون كيان خير اُمة أخرجت للناس، وترسّخ الانحراف
الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتى أفقده أهليّة القيام بهداية المجتمع البشري نحو
العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الكثير من القيم الإلهية
الأصيلة حتى اختفت مظاهرها من حياتهم.
والانحراف السياسي ـ الذي سبب انحرافات اُخرى ـ كان قد طغى على كيان المسلمين
واستشرى الفساد في حكوماتهم التي لم يكن لها هدف سوى التمادي في الملذات المحرمة
والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتى غابت صورة الخليفة
الخادم للرعية المدافع عن كرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والاُخروية وحلت
محلها صورة الحاكم المستبد الذي لا همّ له سوى الفساد والإفساد والاستعلاء في الأرض
والاحتفاظ بالعرش بما أمكنه ولو كان على حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها مَن
يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولذلك اجتهدوا في محاربة
ائمة الهدى من عترته كما لاحظنا في تعليل الإمام العسكري عليه السلام للمطاردة
الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود.
إذن فالكيان الإسلامي ـ وبالتالي المجتمع البشري ـ لم يكن مؤهلاً بالفعل لتلك
المهمة الإصلاحية الكبرى التي تحمّلها المهديّ الموعود، ولعل من أوضح مظاهر ذلك
موقفه من الثورات العلوية الكثيرة التي كانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم
الإسلامي، لكنها كانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو انحراف سريع عن أهدافها
المعلنة وتحويلها الى حكومة سلطوية كسائر الحكومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن
الأهداف الإصلاحية الإسلامية الكبرى.
في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي كانت تبذلها السلطات العباسية
للقضاء على المهدي كما تقدم، كان لابد من إحاطة الإمام عليه السلام بستار يمكنه من
المساهمة ـ كحجة لله على عباده ـ في إعداد المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرّضه
لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة الله الموكّل بحفظ الشريعة المحمدية، وهذا الستار
هو الذي سمي بـ (الغيبة). والى هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن أنّ
أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل، وهذه العلة تنطبق على الغيبة الصغرى وثمة علل
أخرى ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور. سنفصل الحديث عنها في مقدمة الفصل الخاص
بالغيبة الكبرى1.
1- أعلام الهداية
|
|
|
|
|
|
|