وأول وكلاء الإمام المنتظر عليه السلام هو الثقة، الزكي، الأمين، عثمان ابن سعيد، فقد شغل مركز النيابة عن الإمام، وكان همزة وصل بينه وبين الشيعة ونتحدث – بإيجاز - عن بعض شؤونه:
خدمته للأئمة عليهم السلام:
تولى عثمان شرف خدمة الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وكان له من العمر إحدى عشرة سنة، وقام بما يحتاجون إليه، في وقت كان من أشد الأوقات حراجة ومحنة على أهل البيت عليهم السلام، فقد فرضت السلطة العباسية خصوصا في أيام المتوكل العباسي الرقابة الشديدة عليهم، ومنعت وصول الحقوق الشرعية التي تبعثها الشيعة إليهم، وكان عثمان يتظاهر ببيع السمن، حتى لقب بالسمان، فكانت الحقوق الشرعية تصل على يده، فكان يجعلها في زقاق السمن، ويبعثها إلى الإمام الهادي، ومن بعده إلى ولده الحسن العسكري عليهما السلام، وبذلك فقد رفع الضائقة الاقتصادية عنهم، كما تولى النيابة عن الإمام المنتظر
وثاقته:
كان عثمان ثقة زكيا، عدلا حسبما نصت عليه جميع مصادر التراجم، وقد نص على توثيقه الإمام الهادي عليه السلام، انظروا إلى بعض النصوص في توثيقه:
1 - روى أحمد بن إسحاق، قال: سألت أبا الحسن على الهادي عليه السلام " من أعامل، وعمن آخذ، وقول من أقبل ؟ ". فأرشده الإمام عليه السلام إلى العمري منبع الحق والصدق قائلا: " العمري ثقتي، فما أدى إليك عني، فعني يؤدي، وما قال عني، فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون... ".
2 - سأل شخص الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن العمري، فقال له: " العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فهما الثقتان المأمونان".
3 - ومن جملة الوثائق في توثيقه، وعظيم مكانته عند الإمام الحسن العسكري عليه السلام ما جاء في رسالته إلى إبراهيم بن عبده النيسابوري، فقد أمره بطاعته واتباعه: " ولا تخرجن من البلدة حتى تلقى العمري رضي الله عنه، برضاي عنه فتسلم عليه، وتعرفه، ويعرفك فإنه الطاهر الأمين، العفيف القريب منا.. ".
نيابته عن الإمام المنتظر:
وتولى الشيخ العمري الثقة، المأمون، النيابة المطلقة والوكالة العامة عن الإمام المنتظر عليه السلام، فكان همزة الوصل بين الإمام عليه السلام وشيعته، وكان يحمل إليه حقوقهم ورسائلهم، وقد حظى بهذه النيابة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.
وفاته:
انتقل إلى حظيرة القدس تحفه ملائكة الرحمن، ودفن في مقره الأخير في بغداد بجانب الرصافة، وله قبر مشيد يزوره المؤمنون، قال الشيخ الطوسي: " وكنا ندخل إليه - أي إلى قبره - ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة 408هـ إلى نيف وثلاثين وأربعمئة، وأضاف: وعسل الرئيس أبو منصور بن محمد بن فرج عليه صندوقا، ويتبرك جيران المحلة بزيارته".
تأبين الإمام عليه السلام له:
وأبَّن الإمام المنتظر عليه السلام الفقيد العظيم بكلمة رفعها إلى نجله العالم أبي جعفر، محمد بن عثمان، جاء فيها: " إنا لله وإنا إليه راجعون تسليما لأمره، ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيدا، ومات حميدا، فرحمه الله، وألحقه بأوليائه ومواليه، فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا في ما يقر به إلى الله عز وجل إليهم، نضر الله وجهه وأقال عثرته. أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، ورزيت، ورزينا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه، وأقول: الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله: الله عز وجل فيك وعندك، وقواك وعضدك، ووفقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا.. ".
وحكت هذه الكلمات مدى حزن الإمام عليه السلام على نائبه ووكيله الذي كان عنصرا من عناصر الإيمان والتقوى، كما أعرب الإمام عن ثقته البالغة بولده أبي جعفر، محمد، الذي توفرت فيه جميع المثل العليا والصفات الرفيعة.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 140-143.
|