والحسين بن روح هو النائب الثالث للإمام المنتظر عليه السلام في زمن الغيبة الصغرى، وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح ووفور العلم والعقل، كما كان محترما عند الخاصة والعامة، وقد رشحه إلى النيابة العامة محمد بن عثمان. لما مرض عاده الوجوه والإشراف من الشيعة وقالوا له: إن حدث بك أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم: " هذا أبو قاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عجل الله فرجه، والوكيل له، والثقة الأمين، فارجعوا له في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت "
ونعرض لبعض أحواله:
مناظرته مع معاند:
وجرت مناظرة بينه وبين معاند للحق أظهرت مدى قدراته العلمية واطلاعه الواسع، فقد قال له رجل معاند:
" إني أريد أن أسألك عن شيء ؟... ".
فأجابه: " سل عما بدا لك ".
" أخبرني عن الحسين عليه السلام أهو ولي الله ؟.. "
وسارع الحسين قائلا:
" نعم "
وسارع الرجل قائلا:
" هل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه.. ؟ "
فانبرى الحسين يجيبه قائلا:
" إفهم ما أقول لك: إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنه جلت عظمته، يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إليهم رسلا من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق، قالوا لهم أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتوا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار، فغرق جميع من طغى وتمرد، ومنهم من ألقي في النار، فكانت عليه بردا وسلاما، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا، تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه وأحيى الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك، فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أمتهم أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار، ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين. وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدون ويطيعوا رسله ويكونوا حجة لله ثابتة على من يجاوز الحد فيهم، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.. ".
ودلت هذه المناظرة على براعة الحسين وعلى قدراته العلمية فقد أقام البراهين الحاسمة على إبطال ما ذهب إليه المعاند فلم ينبس ببنة شفة وبان عليه العجز وكان محمد بن إبراهيم بن إسحاق حاضرا في المجلس وقد بهر بكلام الحسين فأقبل عليه في اليوم الثاني ليسأله عن الدليل الذي أقامه في تفنيد كلام الخصم هل هو من عنده أو أخذه من أئمة الهدى عليهم السلام ولما استقر به المجلس التفت إليه الحسين قائلا: " يا أبا محمد بن إبراهيم لئن أخر من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه... ".
صلابته:
كان الحسين بن روح قوي الإرادة شديد الصلابة في الحق يقول أبو سهل النوبختي: " لو كان الحجة عليه السلام تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ".
إيثاره للتقية:
وكان الحسين يؤثر التقية ويجاري محيطه الذي كان مشحونا بالبغض والعداء لأهل البيت عليهم السلام، فقد روى المؤرخون عنه أن بوابه لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده من وظيفته التي كان عليها، وبقي البواب مدة يوسط إليه مختلف الطبقات في إرجاعه فلم يرده.
مع علي القمي:
كتب العلامة علي بن الحسين القمي رسالة إلى الحسين بن روح يطلب فيها أن يسأل الإمام عليه السلام بأن يدعوا الله تعالى له ليرزقه أولادا فقهاء من زوجته التي هي بنت عمه، فرفع الحسين طلبه إلى الإمام عليه السلام، فجاء الجواب أنه لا يرزق من زوجته، ولكنه سيملك جارية ويرزق منها ولدين فقيهين ولم تمض الأيام حتى ملك جارية ديلمية فرزقه الله منها ثلاثة أولاد، وهم
1 - محمد.
2 - الحسين.
3 - الحسن.
أما محمد والحسين فكانا من أعلام الفقهاء، ومن أفذاذ العلماء، وكانا آيتين في الحفظ، وكان الناس يتعجبون من سرعة حفظهما ويقولون إن هذا ببركة دعوة الإمام عليه السلام.
وأما الحسن وهو الأوسط فكان مشتغلا بالعبادة والزهد، وقد آثر العزلة عن الناس.
وفاته:
بقي الحسين سفيرا عن الإمام عليه السلام إحدى أو اثنين وعشرين سنة.
وكان المرجع الوحيد والواسطة الأمينة بين الشيعة وبين الإمام تصل على يده مسائلهم وحقوقهم الشرعية، وهو يوصلها إلى الإمام عليه السلام، وقد مرض وبقي في مرضه أياماً حتى أدركته المنية وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه سنة 326 ه، وقد جهز، وشيع بتشييع حافل ودفن في مقره الأخير ومرقده الشريف يقع في بغداد، في سوق الشورجة، التي هي أهم مركز تجاري في بغداد، والناس تتهافت على زيارة قبره للتبرك به.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص146-149.
|